الين الياباني يستعيد بريقه كملاذ آمن والدولار الأمريكي يهبط لأدنى مستوى في 3 سنوات

افتتح الين الياباني تداولات الأسبوع في الأسواق الآسيوية بقوة ملحوظة، مواصلاً مكاسبه لليوم الثالث على التوالي مقابل الدولار الأمريكي، ليقترب من أعلى مستوياته في سبعة أشهر، وسط تصاعد الإقبال على العملة اليابانية كملاذ آمن في ظل أجواء سياسية وتجارية مضطربة.

في المقابل، شهدت العملات الآسيوية الأخرى تراجعًا ملحوظًا، في حين استمر الدولار الأمريكي في الهبوط وسط مخاوف متنامية بشأن تباطؤ الاقتصاد الأمريكي واحتمالات خفض أسعار الفائدة. في هذا التقرير المفصل، نسلّط الضوء على تحركات الأسواق، العوامل السياسية المؤثرة، المستجدات في السياسة النقدية، وأداء العملات العالمية.

أداء الين الياباني اليوم

افتتح الين الياباني تداولات الأسبوع في الأسواق الآسيوية على ارتفاع واضح مقابل سلة من العملات العالمية، وعلى رأسها الدولار الأمريكي. وجاء هذا الأداء القوي مدفوعًا بعمليات شراء مكثفة للعملة اليابانية باعتبارها ملاذًا آمنًا في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية والاقتصادية في الأسواق العالمية. وبهذا الأداء، بات الين قريبًا من ملامسة أعلى مستوى له منذ سبعة أشهر.

هذه المكاسب ليست وليدة اللحظة، بل جاءت امتدادًا لاتجاه صعودي مستمر لليوم الثالث على التوالي مقابل الدولار الأمريكي، مما يعكس ثقة المستثمرين المتزايدة في العملة اليابانية خلال فترات عدم اليقين.

الدعم السياسي وراء قوة الين

جاء هذا الارتفاع في قيمة الين متزامنًا مع تصريحات عدوانية من بعض صناع السياسات في الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في اليابان. هؤلاء المسؤولون عبّروا عن دعمهم القوي لعملة محلية قوية، معتبرين أن ذلك يمكن أن يساعد في خفض التكاليف المعيشية المرتفعة التي تواجه الأسر اليابانية في الفترة الأخيرة.

ومن أبرز هذه التصريحات، ما أدلى به "إيتسونوري أونوديرا"، رئيس مجلس أبحاث السياسات في الحزب، حيث أشار إلى أن ضعف الين كان من بين الأسباب الرئيسية وراء ارتفاع الأسعار. وأكد على ضرورة دعم قوة العملة اليابانية، باعتبار ذلك جزءًا من استراتيجية لدعم الشركات اليابانية وتعزيز قدرتها التنافسية على الساحة الدولية.

كما شدد أونوديرا على أن اليابان، بصفتها حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة، يجب ألا تستخدم حيازاتها الضخمة من سندات الخزانة الأمريكية كوسيلة ضغط في المحادثات التجارية المقبلة، في رفض واضح لمقترحات من بعض السياسيين المعارضين.

المفاوضات التجارية بين اليابان والولايات المتحدة

تتجه الأنظار هذا الأسبوع إلى المفاوضات الثنائية المرتقبة بين اليابان والولايات المتحدة، والتي من المتوقع أن تشمل مناقشات حساسة حول سياسات العملة. ووفقًا لتقارير صادرة عن وكالة "رويترز"، فإن بعض المسؤولين اليابانيين يستعدون لاحتمال تعرض طوكيو لضغوط من جانب واشنطن لدعم الين مقابل الدولار، في محاولة أمريكية للحد من الفائض التجاري مع اليابان.

كما أشارت المصادر إلى أن بطء بنك اليابان في رفع أسعار الفائدة قد يكون موضع انتقاد أمريكي خلال هذه المحادثات، لا سيما مع رغبة الولايات المتحدة في مناقشة تأثيرات السياسة النقدية اليابانية على سعر صرف الين.

ومن المقرر أن يلتقي كبير المفاوضين التجاريين اليابانيين، ووزير الإنعاش الاقتصادي "ريوسي أكازاوا"، بنظيره الأمريكي وزير الخزانة "سكوت بيسنت" في واشنطن يوم الخميس المقبل، لمناقشة عدد من الملفات، من بينها الرسوم الجمركية، الحواجز غير الجمركية، والسياسات النقدية وسعر الصرف.

التحليل السعري للين الياباني مقابل الدولار الأمريكي

• سعر صرف الدولار/ين اليوم: تراجع الدولار مقابل الين بنسبة 1.0% إلى 142.25 ين، مقارنة بسعر افتتاح اليوم عند 143.44 ين، بعد أن سجل أعلى مستوى يومي عند 144.05 ين.

• الأداء الأسبوعي السابق: ارتفع الين بنسبة 2.4% مقابل الدولار خلال الأسبوع الماضي، في ثاني مكسب أسبوعي على التوالي، بدعم من عمليات شراء واسعة كملاذ آمن.

• الأداء اليومي السابق: حقق الين مكاسب بنسبة 0.7% يوم الجمعة الماضي، في ثاني مكسب يومي على التوالي، وسجل أعلى مستوى له منذ سبعة أشهر عند 142.05 ين، مدفوعًا بمخاوف الأسواق من اتساع رقعة الحرب التجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى.

تراجع العملات الآسيوية في ظل الحرب التجارية الأمريكية-الصينية

في الوقت الذي يحقق فيه الين الياباني مكاسب واضحة، شهدت معظم العملات الآسيوية الأخرى تراجعات ملحوظة يوم الاثنين، وذلك في ظل أجواء من الحذر نتيجة لتطورات الحرب التجارية المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة.

تراجعت العملة الصينية، اليوان، في ظل تخفيف أمريكي محدود لبعض الرسوم الجمركية. كما أثّر تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي والمخاوف من الركود على أداء العديد من عملات المنطقة.

• انخفض الدولار/الدولار السنغافوري بنسبة 0.2%، رغم ضعف بيانات الناتج المحلي الإجمالي للربع الأول من 2025.

• ارتفع الدولار/الوون الكوري الجنوبي بنسبة 0.5%.

• ارتفع الدولار الأسترالي/الدولار الأمريكي بنسبة 0.2%.

• تراجع الدولار/الروبية الهندية بنسبة 0.4% في تداولات ضعيفة بسبب العطلات المحلية.

ارتفع زوج الدولار/اليوان المحلي بنسبة 0.2%، بعد أن قام بنك الشعب الصيني بتحديد سعر صرف مرجعي أضعف للمرة السابعة خلال ثماني جلسات تداول، وهو ما فُسّر على أنه خطوة متعمدة لتقليل تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية المرتفعة.

وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد رفع الرسوم الجمركية على الصين إلى نسبة 145% الأسبوع الماضي، وردت بكين بفرض رسوم بنسبة 125%. وعلى الرغم من إعلان إعفاء مؤقت للإلكترونيات من هذه الرسوم، إلا أن المراقبين يرون أن هذا قد يكون مجرد هدنة قصيرة الأجل، مع احتمالية فرض رسوم إضافية من قبل واشنطن خلال الأسبوع الجاري.

الدولار الأمريكي يهبط لأدنى مستوى له في ثلاث سنوات

انخفض مؤشر الدولار الأمريكي ، إلى جانب العقود الآجلة المرتبطة به، إلى أدنى مستوياته منذ أبريل 2022. وجاء هذا التراجع وسط مخاوف متزايدة من دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود، بالإضافة إلى تراجع الطلب على سندات الخزانة الأمريكية وارتفاع عوائدها بشكل حاد.

وأشارت تصريحات عدد من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي إلى استعدادهم للتدخل من خلال تخفيض أسعار الفائدة، لحماية الاقتصاد من تداعيات النزاعات التجارية والتباطؤ العالمي، ما شكّل ضغطًا إضافيًا على العملة الأمريكية.

ومن المتوقع أن تشهد الأسواق مزيدًا من التفاعل مع تصريحات مرتقبة لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي "جيروم باول" وعدد من المسؤولين الآخرين هذا الأسبوع.

التحولات في توقعات أسعار الفائدة الأمريكية واليابانية

الفائدة الأمريكية:

• أظهرت بيانات الأسبوع الماضي تباطؤًا في معدلات التضخم خلال مارس، وهو ما قلل من الضغوط على مجلس الاحتياطي الفيدرالي لتشديد السياسة النقدية.

• ارتفعت توقعات خفض الفائدة في اجتماع مايو من 15% إلى 25%.

• كما ارتفعت احتمالات خفض الفائدة في اجتماع يونيو من 72% إلى 85%.

الفائدة اليابانية:

• نتيجة للضغوط الاقتصادية العالمية، خصوصًا من الرسوم الجمركية الأمريكية، خفّض المستثمرون توقعاتهم لاستمرار بنك اليابان في تطبيع سياساته النقدية، وأصبحت احتمالية أي رفع للفائدة هذا العام تقترب من الصفر.

خلاصة وتحليل شامل

يمثل الأداء القوي للين الياباني مؤشرًا واضحًا على انتقال المستثمرين نحو الأصول الآمنة في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية. ومع استمرار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ووجود شكوك حول مستقبل السياسات النقدية الأمريكية واليابانية، تبقى الأسواق في حالة ترقب لأي مستجدات سياسية أو اقتصادية قد تغير اتجاهات التداول.

في ظل هذه المعطيات، من المتوقع أن يستمر الين في جذب المزيد من التدفقات الاستثمارية خلال الأسابيع المقبلة، خصوصًا مع قرب المفاوضات اليابانية-الأمريكية، وتزايد الإشارات إلى تباطؤ اقتصادي عالمي واسع النطاق.