تراجع سعر صرف الليرة التركية رغم رفع سعر الفائدة وتدخلات البنك المركزي التركي
شهدت الليرة التركية تراجعًا كبيرًا خلال تعاملات يوم الجمعة، على الرغم من الإجراءات القوية التي اتخذها البنك المركزي التركي في محاولة لحماية العملة المحلية من مزيد من الانخفاض.
وتشمل هذه الإجراءات رفعًا مفاجئًا لأسعار الفائدة وتدخلاً مباشرًا في سوق العملات عبر استخدام الاحتياطيات الأجنبية تأتي هذه التحركات في سياق اقتصادي وسياسي معقّد، يتضمن اضطرابات داخلية، وتصاعد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، إضافة إلى انسحاب واسع النطاق لرؤوس الأموال الأجنبية.
أسعار الفائدة في تركيا
فاجأ البنك المركزي التركي الأسواق المالية يوم الخميس الماضي بإعلانه رفع سعر الفائدة الرئيسي وهو معدل إعادة الشراء لأسبوع واحد من 42.5% إلى 46%. ويُعد هذا التحرك بمثابة إنهاء رسمي لدورة التيسير النقدي التي انطلقت في ديسمبر من العام الماضي، والتي كانت تهدف إلى تحفيز النمو الاقتصادي وسط تراجع ثقة المستثمرين.
وقد برّر البنك المركزي هذه الخطوة بالإشارة إلى ضرورة "تعزيز عملية خفض التضخم" من خلال مجموعة من القنوات، من أبرزها كبح الطلب المحلي، وتحقيق تقدير حقيقي للعملة المحلية، وتحسين التوقعات المتعلقة بمستوى الأسعار.
جاء قرار رفع الفائدة وسط بيئة اقتصادية شديدة الاضطراب، تفاقمت إثر الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على عدد من السلع التركية، إلى جانب تصاعد التوترات السياسية الداخلية، والتي بلغت ذروتها بعد اعتقال رئيس بلدية إسطنبول وزعيم المعارضة البارز، أكرم إمام أوغلو، في مارس الماضي.
وقد شكّلت هذه الخطوة السياسية المفاجئة عاملاً رئيسيًا في هروب رؤوس الأموال الأجنبية، حيث فقد المستثمرون ثقتهم بالاستقرار القانوني والمؤسسي في البلاد. كما لعبت هذه الأحداث دورًا في زيادة الضغط على الليرة التركية التي كانت تعاني أصلًا من ضعف هيكلي وتذبذب في ثقة الأسواق.
تصريحات لجنة السياسة النقدية في تركيا
في بيانها المرافق لقرار رفع الفائدة، أكدت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي التركي أن موقف السياسة النقدية المتشدد سيبقى ساريًا "حتى يتم تحقيق استقرار سعري دائم"، مشيرة إلى أن تراجع التضخم بشكل مستدام يُعد شرطًا أساسيًا لوقف هذه السياسات.
وتضمن البيان تحذيرًا من المخاطر المحتملة الناجمة عن تصاعد سياسات الحماية التجارية عالميًا، لما لها من أثر مباشر على النشاط الاقتصادي الدولي وأسعار السلع وتدفقات رؤوس الأموال. وأوضح البنك أن السياسات المتشددة ضرورية لكبح التضخم، الذي بلغ في مارس معدلًا سنويًا مرتفعًا عند 38.1%.
احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي
رغم محاولات دعم الليرة، فإن البنك المركزي التركي يواجه أزمة تآكل في احتياطياته من النقد الأجنبي. حيث تراجعت الاحتياطيات الإجمالية إلى 147 مليار دولار بحلول 11 أبريل، وهو أدنى مستوى يتم تسجيله منذ يونيو 2024، عندما كانت الاحتياطيات تفوق 150 مليار دولار.
ووفقًا للتقارير الأسبوعية الصادرة عن البنك، فقد انخفضت احتياطيات العملات الأجنبية وحدها بنحو 9.83 مليار دولار خلال أسبوع واحد فقط من 77.84 مليار دولار في 4 أبريل إلى 68.01 مليار دولار في 11 أبريل. وعلى الرغم من ارتفاع احتياطيات الذهب بقيمة 3.06 مليار دولار خلال نفس الفترة، فإن إجمالي الاحتياطيات قد تراجع بمقدار 6.77 مليار دولار على أساس أسبوعي.
ويُذكر أن هذه الانخفاضات تُترجم إلى تراجع إجمالي يقدّر بنحو 26 مليار دولار منذ الذروة المسجلة في 14 فبراير، حين بلغت الاحتياطيات 173 مليار دولار. ويرتبط هذا النزيف المستمر باضطرابات الأسواق عقب التطورات السياسية الأخيرة، والضغوط الناتجة عن التدخلات المتكررة في سوق الصرف.
هروب رؤوس الأموال الأجنبية يزيد من تفاقم الوضع
تُظهر الإحصاءات المتعلقة بالأوراق المالية أن المستثمرين الأجانب واصلوا انسحابهم من السوق التركية بوتيرة متسارعة فقد بلغ صافي مبيعات غير المقيمين من الأسهم وسندات الدين الحكومية خلال أسبوع واحد فقط نحو 3.1 مليار دولار. وتوزعت هذه المبيعات بين 293 مليون دولار من الأسهم، وأكثر من 2.8 مليار دولار من سندات الدين.
وعلى مدى الفترة الممتدة منذ 14 مارس، انخفض إجمالي الأصول التي يحتفظ بها غير المقيمين من الأسهم والسندات من 57 مليار دولار إلى 39 مليار دولار، أي بفقدان قدره 18 مليار دولار ويُعزى هذا الانخفاض إلى صافي مبيعات بلغ 9.6 مليار دولار، مما يعكس تصاعد المخاوف من المخاطر السياسية والاقتصادية في تركيا.
تدخلات مباشرة من البنك المركزي للحد من تدهور العملة
في محاولة للحد من انهيار الليرة، قام البنك المركزي التركي ببيع كميات ضخمة من احتياطياته من النقد الأجنبي. ووفقًا لتقارير "بلومبرغ"، بلغت قيمة هذه المبيعات نحو 50 مليار دولار منذ بداية الأزمة في مارس، وهي خطوة هدّأت نسبيًا الاندفاع القوي نحو العملات الأجنبية.
وقد ساهمت هذه التدخلات في تقليص الخسائر الأولية لليرة التركية، والتي تجاوزت 12% بعد اعتقال إمام أوغلو في 19 مارس، لتستقر لاحقًا عند نحو 4%.
من جانبه، صرّح وزير الخزانة والمالية التركي، محمد شيمشك، في 7 أبريل، مدافعًا عن تلك التدخلات بالقول: "الاحتياطيات تمثل وسادة حماية في مواجهة الصدمات الاقتصادية، ومن الطبيعي أن يتم استخدامها عند الضرورة".
أداء الليرة أمام العملات الأجنبية وأسعار الذهب
عند إغلاق جلسات التداول ليوم الجمعة، تراجعت الليرة التركية بنسبة 1.09% أمام الدولار، حيث بلغ سعر شراء الدولار الواحد 38.23 ليرة. أماسعر شراء اليورو، فقد سجلت الليرة انخفاضًا أكبر بنسبة 1.40% لتصل إلى 43.47 ليرة لليورو الواحد.
وفي سوق المعادن النفيسة، ارتفع سعر غرام الذهب من عيار 24 ليسجل 4130 ليرة تركية، ما يعكس تزايد الإقبال على الذهب كملاذ آمن في ظل اضطرابات السوق.
خلاصة تحليلية
تكشف المعطيات الاقتصادية والسياسية الأخيرة أن الاقتصاد التركي يواجه مرحلة دقيقة تتطلب إدارة نقدية ومالية فائقة الحذر. فعلى الرغم من السياسات النقدية المتشددة والتدخلات المباشرة، لا تزال الليرة التركية تحت ضغط شديد نتيجة عوامل داخلية وخارجية. ومع استمرار التوترات السياسية، وتراجع ثقة المستثمرين، وتقلص الاحتياطيات، فإن الطريق نحو الاستقرار المالي يبدو محفوفًا بالتحديات.