الليرة التركية تهوي إلى مستويات تاريخية واعتقال رئيس بلدية إسطنبول يشعل اضطرابات الأسواق

شهدت الأسواق المالية التركية اضطرابات حادة بعد اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، ما أدى إلى موجة بيع كبيرة في سوق الأسهم، وانخفاض حاد في قيمة الليرة التركية، إضافة إلى ارتفاع عوائد السندات الحكومية إلى مستويات قياسية تعكس هذه التطورات حالة عدم اليقين السياسي وتأثيرها المباشر على الاقتصاد والأسواق المالية، وسط مخاوف المستثمرين من استمرار التصعيد.

الأسواق المالية في تركيا

تراجعت الليرة التركية بشدة، وأدت موجة بيع واسعة في سوق الأسهم إلى وقف التداول، كما قفزت عوائد السندات الحكومية إلى أعلى مستوياتها هذا العام، بعدما أقدم المستثمرون على بيع الأصول التركية عقب اعتقال منافس بارز للرئيس رجب طيب أردوغان، مما زاد من المخاطر السياسية.

هبط مؤشر بورصة إسطنبول 100 بنسبة 6.9% مع بداية التداول، ما أدى إلى تعليق التعاملات بموجب قواعد "وقف التداول التلقائي" في البورصة، قبل أن يعاود النشاط على انخفاض بنسبة 4.6%.

كما هبطت السندات السيادية التركية لأجل 10 سنوات، لترتفع عوائدها بمقدار 175 نقطة أساس إلى 29.94%، بينما انخفضت الليرة بأكثر من 5% مقابل الدولار الأميركي، في أسوأ أداء عالمي بين فئات الأصول المختلفة.

وتراجع مؤشر قطاع البنوك بنسبة 7.02%، بينما خسر مؤشر الأسهم القابضة 6.69%. وشهدت جميع مؤشرات القطاعات خسائر، وكان قطاع الاتصالات الأكثر تضررًا، حيث انخفض بنسبة 7.56% ونظرًا لانخفاض مؤشر BIST 100 بأكثر من 5% عند الافتتاح، تم تفعيل آلية إيقاف التداول.

سعر صرف الليرة التركية أمام العملات الأجنبية اليوم

سجلت الليرة التركية انخفاضًا حادًا تجاوز 7.12%، لتصل إلى 38.60 ليرة مقابل الدولار، بعد أن افتتحت الأسواق على مستويات تقارب 42 ليرة للدولار، مقارنة بسعر إغلاق بلغ 36.67 للدولار في اليوم السابق كما ارتفع سعر صرف اليورو بنسبة 6.92% ليصل إلى 42.077 ليرة، بينما قفز سعر غرام الذهب في السوق التركية بنسبة 6.98% ليبلغ نحو 3,800 ليرة لعيار 24.

اعتقال رئيس بلدية اسطنبول وأسبابه

أوقفت الشرطة التركية صباح اليوم الأربعاء رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو المعارض للرئيس رجب طيب أردوغان، في حين تحدثت تقارير محلية عن أن احتجازه مرتبط بتحقيق في شبهات فساد.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن أحد مساعديه أن إمام أوغلو احتجز وهو الآن في مقر الشرطة بعد دهم منزله وأفاد إمام أوغلو، في منشور على منصة "إكس"، بأن مئات عناصر الشرطة وصلوا إلى منزله، وقال "أسلّم نفسي إلى الشعب"، وأضاف "الشرطة تدهم منزلي، إنهم يطرقون باب منزلي.. أثق في أمّتي".

كما نقلت وكالة رويترز عن قناة "سي إن إن ترك" أن الشرطة التركية اعتقلت إمام أوغلو بتهم "تزعّم منظمة إجرامية والرشوة والتلاعب في المناقصات ومساعدة منظمة إرهابية".

وأصدرت السلطات التركية أمرًا باعتقال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو وأكثر من 100 شخص آخرين، وذلك بعد إلغاء شهادته الجامعية، مما قد يحرمه من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.

وكانت السلطات القضائية التركية أصدرت بوقت سابق اليوم قرارا باعتقال إمام أوغلو، ومستشاره الإعلامي، إلى جانب نحو 100 شخص آخرين، بينهم صحافيون ورجال أعمال، جراء مخالفات تتعلق بالمناقصات التي أُجريت داخل شركة Medya A.Ş، بالإضافة إلى ما يُعرف بـ"التوافق الحضري" الذي جرى بين حزب الشعب الجمهوري الذي ينتمي إليه إمام أوغلو وحزب العمال الكردستاني.

أتى ذلك غداة إبطال جامعة إسطنبول شهادة إمام أغولو، معتبرة أنه نالها من دون وجه حق ومن شأن الخطوة أن تعرقل خطط إمام أوغلو لمنافسة أردوغان في الانتخابات المقررة في 2028، إذ تأتي قبل أيام من موعد تسميته رسميا مرشح حزب المعارضة الرئيسي حزب الشعب الجمهوري.

وحسبما أفادت قناة تي آر تي التركية أعلنت النيابة العامة في إسطنبول عن إصدار مذكرة اعتقال بحق 7 مشتبه بهم، من بينهم رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، ونائب الأمين العام لبلدية إسطنبول الكبرى ماهر بولات، ورئيس بلدية شيشلي رسول عمرة شاهان، بتهمة "مساعدة منظمة PKK/KCK الإرهابية".

وجاء في البيان الذي أدلى به مكتب المدعي العام في إسطنبول، أن زعيمي التنظيم الإرهابي جميل بايك ومصطفى كاراسو، نقلا آراءهما وتعليماتهما إلى التنظيم الإرهابي عبر وسائل الإعلام الداعمة للتنظيم الإرهابي قبل الانتخابات، فيما يتعلق بنشاط "المصالحة الحضرية" الذي نفذه تنظيم PKK/KCK الإرهابي فعلياً في الانتخابات المحلية التي أجريت في 31 مارس 2024، بهدف زيادة أنشطته في المحافظات الكبرى، وخاصة في إسطنبول.

وكشف البيان، الذي جاء فيه أن النتائج التي توصلت إلى تحالف مع منظمة HDK المظلة للمنظمة الإرهابية على أساس "إجماع المدينة" لرئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو للانتخابات المحلية في إسطنبول، تم الإعلان عنها من قبل وسائل الإعلام الداعمة للمنظمة الإرهابية، وأشار إلى أنه تم تنفيذ اعتقالات واحتجازات متزامنة ضد أعضاء HDK في العديد من المدن، وخاصة في إسطنبول، وأن التحقيقات لا تزال جارية.

وجاء في البيان أنه عند فحص أعضاء المجلس البلدي المنتخبين من حصة حزب الشعب الجمهوري ونواب رؤساء البلديات المعينين بناءً على النتائج المذكورة أعلاه، تبين أن بعضهم كان على صلة بالمنظمة الإرهابية

التداعيات الاقتصادية للاضطرابات السياسية

لطالما تأثرت الأسواق التركية بالتطورات السياسية، حيث يهيمن المستثمرون المحليون على سوق الأسهم بنسبة 62.5%، مما يجعلها أكثر حساسية للتقلبات السياسية وتأتي هذه الأزمة في وقت كانت فيه الأسواق التركية قد شهدت انتعاشًا نسبيًا بفضل عوامل إيجابية مثل انخفاض التضخم في فبراير، وخفض الفائدة، وتعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. إلا أن هذه الأحداث السياسية أدت إلى زعزعة الاستقرار وإضعاف الثقة في الأصول التركية.

انعكست حالة عدم الاستقرار في الأسواق التركية على الأسواق العالمية، حيث شهدت العقود الآجلة للأسواق المالية تأثيرات مباشرة. وارتفعت تكلفة اقتراض الليرة التركية خارج تركيا لليلة واحدة بأكثر من 10 نقاط مئوية لتصل إلى 48%، مما دفع العديد من المستثمرين إلى التخلي عن مراكزهم والابتعاد عن المخاطر المرتبطة بالأصول التركية.

الخلاصة :  

تسببت التطورات السياسية الأخيرة في تركيا ، وعلى رأسها اعتقال أكرم إمام أوغلو، في اضطرابات حادة في الأسواق التركية، تمثلت في انخفاض الليرة إلى 42 مقابل الدولار، وتراجع حاد في الأسهم، وارتفاع العوائد على السندات ومع استمرار حالة عدم اليقين السياسي، تظل التوقعات المستقبلية للأسواق التركية غير واضحة، ما قد يدفع المستثمرين إلى اتخاذ قرارات حذرة بشأن استثماراتهم في تركيا خلال الفترة المقبلة.