تقرير أممي يكشف عن خسائر الاقتصاد السوري والمدة المحتملة والتحديات للتعافي
بعد أكثر من 14 عامًا من الصراع، تواجه سوريا واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية والتنموية في تاريخها الحديث. فقد تسببت الحرب في تدمير مكاسب أربعة عقود من التقدم الاقتصادي والاجتماعي، ما جعل التعافي أمرًا بالغ الصعوبة.
ووفقًا لتقرير حديث أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن استعادة الاقتصاد السوري لمستوياته ما قبل الحرب قد يستغرق عقودًا، إلا إذا تمت زيادة معدلات النمو بشكل هائل عبر استثمارات ضخمة وإصلاحات شاملة.
كشف تقرير أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن خسائر الناتج المحلي السوري بلغت نحو 800 مليار دولار، مشيراً إلى أن التعافي الاقتصادي محتمل خلال 10 سنوات.
وفي تقرير حمل عنوان "تأثير الصراع في سوريا: اقتصاد مدمر وفقر مستشر وطريق صعب إلى الأمام نحو التعافي الاجتماعي والاقتصادي"، قال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن 9 من كل 10 أشخاص في سوريا يعيشون في فقر، وإن واحداً من كل أربعة عاطل عن العمل.
وأضاف التقرير أن 14 عاماً من الصراع في سوريا أفسدت ما يقرب من أربعة عقود من التقدم الاقتصادي والاجتماعي ورأس المال البشري، مشيراً إلى أن اقتصاد البلاد يمكن أن يستعيد مستواه ما قبل الصراع في غضون عقد من الزمان في ظل نمو قوي.
حجم الخسائر الاقتصادية في سوريا
1. انهيار الناتج المحلي الإجمالي
وفقًا للتقرير، انخفض الناتج المحلي الإجمالي لسوريا إلى أقل من نصف قيمته مقارنة بما كان عليه قبل عام 2011، مما يعكس مدى الدمار الذي أصاب الاقتصاد. وتشير التقديرات إلى أن إجمالي الخسائر الاقتصادية في سوريا بلغت 800 مليار دولار أمريكي خلال 14 عامًا، وهو رقم يعكس حجم الضرر الذي لحق بالبنية التحتية والقطاعات الإنتاجية.
2. البطالة والفقر في مستويات غير مسبوقة
- البطالة: تضاعفت معدلات البطالة ثلاث مرات، حيث أصبح واحد من كل أربعة سوريين عاطلًا عن العمل.
- الفقر: ارتفع معدل الفقر من 33% قبل الحرب إلى 90% اليوم.
- الفقر المدقع: تضاعف الفقر المدقع ستة أضعاف، حيث ارتفع من 11% إلى 66%، ما يعني أن أكثر من نصف السكان يعانون من عدم القدرة على تأمين الاحتياجات الأساسية.
3. انهيار مؤشر التنمية البشرية
مؤشر التنمية البشرية، الذي يقيس التنمية بناءً على الصحة، والتعليم، ومستوى الدخل، تراجع من 0.661 عام 2010 إلى 0.557 حاليًا، وهو أقل مما كان عليه في عام 1990، مما يعكس حجم التدهور في مستوى معيشة المواطنين السوريين.
4. القطاعات الإنتاجية والخدمات الحيوية في حالة انهيار
تعرضت القطاعات الاقتصادية الأساسية في سوريا إلى دمار شبه كامل، مما فاقم الأزمة الاقتصادية وأثر على سبل العيش:
- الزراعة: رغم أن سوريا كانت مكتفية ذاتيًا غذائيًا قبل الحرب، إلا أن الزراعة تضررت بشدة بسبب تدمير الأراضي والبنية التحتية الريفية ونقص الموارد.
- الصناعة: تراجع الإنتاج الصناعي بسبب العقوبات، وتدمير المصانع، وهجرة رؤوس الأموال.
- الطاقة: انخفض إنتاج الطاقة بنسبة 80%، حيث تعرض أكثر من 70% من محطات الطاقة وخطوط النقل للضرر، مما أدى إلى تقليص قدرة الشبكة الوطنية بأكثر من ثلاثة أرباع.
اقرأ أيضاً : العوامل والأسباب التي أدت لانتعاش سعر صرف الليرة السورية والرابحون والخاسرون
التداعيات الإنسانية والاجتماعية للصراع
1. أزمة التعليم
يشير التقرير إلى أن ما بين 40% و50% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و15 عامًا لا يذهبون إلى المدرسة بسبب تدمير المؤسسات التعليمية ونقص الموارد. وهذا يهدد مستقبل جيل كامل من السوريين الذين سيجدون صعوبة في دخول سوق العمل مستقبلاً.
2. أزمة الإسكان
- ثلث وحدات الإسكان في سوريا تعرضت للتدمير أو تضررت بشدة، مما ترك 5.7 مليون شخص بحاجة إلى مأوى.
- تعاني المدن الكبرى، مثل حلب ودمشق وحمص، من نقص حاد في الوحدات السكنية بسبب الدمار الواسع.
3. انهيار البنية التحتية للمياه والصرف الصحي
- تضررت أكثر من نصف محطات معالجة المياه وأنظمة الصرف الصحي، مما أدى إلى افتقار 14 مليون شخص – أي نصف السكان – إلى مياه نظيفة وصرف صحي ملائم.
- أدى ذلك إلى انتشار الأمراض وزيادة معدلات التلوث.
4. انهيار النظام الصحي
- ثلث المراكز الصحية تضررت، بينما تعطلت 50% من خدمات الإسعاف.
- أُجبر الملايين على الاعتماد على المساعدات الطبية، مع نقص حاد في الأدوية والخدمات العلاجية.
قد يهمك : أبرز جوانب الانهيار الاقتصادي في سوريا والقطاعات الأكثر تأثرًا بالحرب
التحديات التي تواجه التعافي الاقتصادي في سوريا
1. الحاجة إلى استثمارات ضخمة
أشار التقرير إلى أن التعافي الاقتصادي يحتاج إلى 36 مليار دولار خلال عشر سنوات باستثناء قطاع الإسكان، وهو تحدٍّ كبير في ظل الظروف الحالية.
2. تأثير العقوبات الاقتصادية
- العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا تقيّد قدرتها على استيراد المواد الأساسية وإعادة بناء بنيتها التحتية.
- شدد التقرير على ضرورة إعادة النظر في العقوبات، بحيث لا تعيق جهود التعافي والإصلاح.
3. ضرورة إصلاح نظام الحوكمة والاقتصاد
قال عبد الله الدردري، مساعد مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إن التعافي يحتاج إلى:
- إصلاحات في الحكم والإدارة الاقتصادية.
- إعادة بناء البنية التحتية الأساسية، مثل التعليم، والصحة، والطاقة.
- إعادة تشغيل القطاع الإنتاجي ليتمكن الاقتصاد من توليد فرص العمل وتقليل الاعتماد على المساعدات.
العقوبات وتحديات التعافي الاقتصادي
أكد التقرير أن التعافي الاقتصادي في سوريا لن يكون ممكنًا دون تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة، تشمل تعزيز الاستقرار، إعادة بناء البنية التحتية، وتحفيز القطاعات الإنتاجية، خاصة في مجالات الزراعة والصناعة.
كما أشار عبد الله الدردري، مساعد مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية، إلى أن تحقيق معدلات نمو تسرّع من التعافي يتطلب استثمارات تقدر بـ36 مليار دولار خلال عشر سنوات (باستثناء قطاع الإسكان).
لكن العقوبات المفروضة على البلاد تُعدّ إحدى العقبات الرئيسية أمام إعادة الإعمار، حيث شدد التقرير على ضرورة التعامل مع هذه العقوبات بمرونة، بما يسمح لسوريا بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة دون قيود تعيق التعافي الاقتصادي.
ما المطلوب لإنقاذ الاقتصاد السوري؟
لإعادة بناء الاقتصاد، يوصي التقرير بعدة إجراءات رئيسية:
- زيادة معدل النمو الاقتصادي بمقدار ستة أضعاف لتقصير فترة التعافي إلى عشر سنوات بدلًا من انتظار التعافي حتى عام 2080.
- إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة، بما في ذلك الطرق، والمياه، والكهرباء، والخدمات الصحية.
- إصلاح قطاع الزراعة والصناعة لدعم الإنتاج المحلي وتحقيق الأمن الغذائي.
- توسيع برامج الحماية الاجتماعية لمساعدة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر.
- جذب الاستثمارات الدولية لدعم مشاريع إعادة الإعمار.
- إصلاح النظام المالي والمصرفي لتعزيز الاستقرار النقدي والاقتصادي.
تراجع مؤشر التنمية البشرية
وقال التقرير إن مؤشر التنمية البشرية في سوريا، وهو مقياس التنمية الذي وضعه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والذي يجمع بين مؤشرات الصحة والتعليم والدخل، تراجع من 0.661 عام 2010 إلى 0.557.
ويعتبر مؤشر التنمية البشرية الحالي أقل من أول مؤشر للتنمية البشرية في سوريا والذي سجّل في العام 1990.
وأشار تقرير البرنامج الأممي إلى أن الصراع أسفر عن مقتل ما يقرب من 618 ألف شخص، واختفاء 113 ألف شخص، في حين فُقِدت أرواح كثيرة بسبب انهيار النظام الصحي، حيث تضرر ثلث المراكز الصحية، وتعطل ما يقرب من نصف خدمات الإسعاف.