- الرئيسية
- الأخبار
- أخبار الاقتصاد السوري
- إصدار عملة سورية جديدة تترافق مع حذف ثلاثة أصفار فرصة تاريخية لانقاذ الاقتصاد السوري
إصدار عملة سورية جديدة تترافق مع حذف ثلاثة أصفار فرصة تاريخية لانقاذ الاقتصاد السوري

في لحظة فارقة تشهدها سوريا، تتقاطع التحولات السياسية مع إعادة تشكيل المؤسسات المالية، ومع تعيين حكومة جديدة وإدارة جديدة للمصرف المركزي، يعود إلى الواجهة مقترح طال انتظاره، ظل مطروحاً منذ انهيار النظام السابق، لكنه لم ير النور بعد: إصدار عملة سورية جديدة تترافق مع حذف ثلاثة أصفار من العملة الحالية.
إن هذا الاقتراح لا يعد مجرد إجراء تقني أو شكلي، بل يمثل إعلاناً عن انطلاقة جديدة في إدارة الاقتصاد الوطني، وقد يكون حجر الزاوية في مشروع إصلاحي شامل يعيد بناء الثقة المنهارة بين الدولة والمواطن، ويضع حداً لعقود من الانهيار النقدي والمؤسساتي.
الوضع النقدي في سوريا
الوضع النقدي في سوريا اليوم لا يمكن تلخيصه بـ"أزمة سيولة" تقليدية، فالعملة الورقية متوفرة بكثرة، ولكن خارج النظام المالي الرسمي تكمن المعضلة في أن المواطنين والأعمال التجارية فقدوا ثقتهم بالمصارف لدرجة دفعتهم إلى تكديس الأموال نقداً، بعيداً عن أي رقابة مصرفية.
عوامل تآكل الثقة بالمصارف السورية خلال حكم الأسد
عدة أسباب متشابكة ساهمت في هذا الواقع المعقد:
-
التدخلات الأمنية: حيث تحولت المصارف إلى أدوات رقابية تخضع للتدخلات الأمنية المباشرة، خاصة في عمليات التحويل المالي والمبالغ الكبيرة.
-
الابتزاز المالي: تم فرض ما يشبه "الإتاوات" على بعض المعاملات، خصوصاً تلك المرتبطة برجال أعمال وشخصيات ذات صلات بالنظام السابق.
-
تسييس المعاملات العقارية: فُرض تنفيذ عمليات بيع وشراء العقارات حصراً عبر مسارات مصرفية خاضعة للموافقة الأمنية والسياسية، مما قوض الثقة القانونية بالنظام المصرفي.
-
تقييد السحب: حتى الحسابات الشخصية لم تكن بمأمن، إذ كانت هناك قيود صارمة على السحب، لا بسبب نقص السيولة، بل بدوافع رقابية.
-
غياب الاستقرار: غياب بيئة قانونية واقتصادية مستقرة، وتخبط السياسات، رسخ في أذهان المواطنين أن ودائعهم غير آمنة.
كل هذه العوامل دفعت الأفراد والمؤسسات إلى سحب أموالهم وتخزينها خارج المصارف، ما أدى إلى نشوء اقتصاد موازٍ، وفقدان الدولة سيطرتها على الدورة النقدية.
العملة الجديدة السورية وحذف الأصفار : خطوة مالية ونفسية
يرى الخبراء الاقتصاديون أن إصدار عملة جديدة مقرونة بحذف ثلاثة أصفار من العملة الحالية، يمكن أن يُشكّل تحوّلاً نوعياً في بنية الاقتصاد الوطني، على الصعيدين النفسي والفني.
فأن تتحول الـ100,000 ليرة إلى 100 ليرة جديدة، هو أكثر من مجرد تغيير رقمي، بل إعادة ضبط كاملة للنظام المالي، بشرط أن يُنفذ هذا التحول ضمن خطة اقتصادية وإدارية متكاملة.
الفوائد المرجوة من الإصلاح النقدي عبر إصدار عملة جديدة
-
إعادة الأموال إلى الدورة الرسمية:
ربط استبدال العملة بفترة زمنية محددة سيجبر من يحتفظ بالأموال نقداً على الإفصاح عنها وإيداعها، مما يساهم في سحب السيولة من الاقتصاد غير الرسمي وإعادتها إلى النظام المصرفي. -
كبح التضخم الرمزي:
تضخم الأرقام في التداول اليومي خلق حالة من التشويش في المحاسبة والقياس الاقتصادي. حذف الأصفار يجعل التعاملات أوضح وأسهل ويعيد المنطق إلى التسعير. -
تحسين صورة العملة:
العملة الجديدة تمثل فرصة لتحسين الصورة الذهنية للمواطن والمستثمر حول الاقتصاد السوري، مما قد يعزز الثقة ويشجع الاستثمار. -
تضييق الخناق على الاقتصاد الموازي:
إعادة توجيه الكتلة النقدية إلى المصارف الرسمية يقلص من حجم الاقتصاد الموازي، ويفتح الباب أمام ضبط مالي أكثر كفاءة. -
إعادة الاعتبار للقطاع المالي:
إصدار العملة الجديدة، إذا ترافق مع إصلاح مصرفي، يمكن أن يمثل بداية لاستعادة الثقة بالمؤسسات المالية وخلق بيئة آمنة للادخار والاستثمار. -
تحسين المزاج العام واستعادة الثقة:
هذه الخطوة قد تساهم في رفع المعنويات العامة، وتعزيز الشعور بإمكانية الخروج من الأزمة، مما يدفع المواطنين مجدداً نحو التعامل مع البنوك. -
سحب السيولة من السوق السوداء:
من يحتفظ بأموال كبيرة خارج المصارف سيضطر إلى إخراجها للعلن في إطار مهلة الاستبدال، مما يسحب السيولة من السوق السوداء. -
مكافحة غسل الأموال:
من خلال فرض شروط صارمة عند الاستبدال، مثل إثبات مصدر الأموال، يمكن كشف شبكات الفساد وغسل الأموال والاقتصاد غير المشروع.
قد يهمك : ماقصة تغيير العملة في سوريا عقب سقوط نظام الأسد .. وكيف تتم عملية الاستبدال ؟
دروس من التجارب الدولية: تجارب ناجحة تستحق الاستلهام
-
تركيا (2005):
بعد تضخم مزمن في التسعينيات، أطلقت تركيا "الليرة الجديدة" بحذف ستة أصفار. النتيجة كانت استقراراً نقدياً وتعزيزاً لصورة العملة محلياً ودولياً. -
البرازيل (1994):
بعد عقود من التضخم المفرط، أطلقت البرازيل "الريال الجديد" ضمن خطة إصلاح شاملة، مما أعاد الثقة وضبط السوق. -
ألمانيا (1948):
بعد الحرب العالمية الثانية، تم استبدال العملة خلال فترة قصيرة جداً، مما أنهى السوق السوداء وأعاد الاقتصاد إلى المسار الرسمي.
لماذا الآن هو الوقت المناسب؟
اللحظة الراهنة تُمثل فرصة ذهبية لا تتكرر كثيراً في تاريخ الدول: حكومة جديدة، إدارة جديدة للمصرف المركزي، ونقاش عام حول الإصلاح. هذا المناخ يسمح بإطلاق مشروع تغيير جذري، لكن بشرط أن يكون الإصلاح مؤسسياً لا سطحياً.
شروط نجاح مشروع إصدار العملة الجديدة
-
تحديد مهلة استبدال صارمة: لمنع التلاعب ومنح الوقت الكافي لإعادة الأموال إلى المصارف ضمن رقابة شفافة.
-
منح المصرف المركزي استقلالية حقيقية: بعيداً عن التجاذبات السياسية والأمنية.
-
إصلاح شامل للقطاع المصرفي: يشمل تحديث آلياته، ضمان أمان الودائع، وتطوير البنية التحتية الرقمية.
-
خطاب رسمي شفاف: يشرح للمواطنين الرؤية الاقتصادية بوضوح ويكسب ثقتهم.
-
وقف التدخلات الأمنية في الشأن المالي: لضمان حيادية النظام المصرفي وشفافيته.
-
محاربة محاولات غسل الأموال: بتشديد شروط الاستبدال وكشف مصادر التمويل المشبوهة.
الأبعاد الاقتصادية والفنية
يتعدى مشروع تبديل العملة الأبعاد الاقتصادية والفنية، ليحمل في طياته رمزية نفسية وسياسية عميقة، خاصة في الحالة السورية. فالتخلص من الرموز والصور المرتبطة بالنظام السابق، وعلى رأسها رموز عائلة الأسد، هو خطوة رمزية قوية تعبّر عن الدخول في مرحلة سياسية جديدة.
مثلما فعل العراق بعد 2003 حين استبدل العملة التي كانت تحمل صور صدام حسين، فإن إصدار عملة سورية جديدة خالية من رموز الاستبداد سيكون مؤشراً على نهاية مرحلة وبداية أخرى.
لم يعد تداول العملة اليوم في سوريا مجرد نشاط مالي، بل أصبح عبئاً مادياً ونفسياً. حمل رواتب الموظفين والمدفوعات اليومية يتطلب حقائب وأكياساً، مما يعرض المواطنين لمخاطر السرقة والإحراج. التخلص من هذا العبء عبر حذف الأصفار يُشكل خطوة نحو استعادة الكرامة الاقتصادية للمواطن السوري.
رؤية اقتصادية شاملة لإصلاح النظام النقدي في سوريا
بحسب الدكتور إبراهيم نافع قوشجي، الخبير الاقتصادي والمصرفي، فإن الإصلاح الحقيقي لا يمكن أن يتم عبر خطوة واحدة، بل يتطلب إصلاحاً كاملاً وشاملاً للنظام النقدي بكل مكوناته:
-
تطوير القطاع المصرفي العام والخاص.
-
إعادة هيكلة المصرف المركزي.
-
تفعيل سوق دمشق للأوراق المالية.
-
تحويل الاقتصاد من ريعي عشوائي إلى سوق تنافسي حر.
-
توزيع أكثر عدالة للدخل القومي.
-
إنهاء الاعتماد على وسائل تحويل خارج المنظومة كـ"شام كاش".
وأوضح أن استمرار اعتماد الدولة على برامج التحويل مثل "شام كاش" لتوزيع الرواتب والمساعدات، مع تجاهل دور المصارف، يؤدي إلى مزيد من التخزين النقدي خارج الرقابة، ما يُعيق التعافي ويضعف أدوات ضبط التضخم وسعر الصرف.
العملة السورية والفئات النقدية
الفئات الورقية في سوريا
-
-
تشمل: 50، 100، 200، 500، 1000، 2000، و5000 ليرة.
-
توجد صورة حافظ الأسد على فئة 1000، فيما توجد صورة بشار الأسد على فئة 2000 ليرة .
-
الفئات المعدنية في سوريا :
-
-
تشمل فئات صغيرة مثل 1، 2، 5، 10، 25،ليرة، لكنها أصبحت نادرة وغير مستخدمة بسبب التضخم .
-
اقرأ أيضاً : مسيرة الليرة السورية .. وهل يمكن استبدال صور آل الأسد وحذف الأصفار؟
خاتمة: العملة الجديدة بداية لا معجزة… ولكنها فرصة تاريخية
العملة الجديدة ليست العصا السحرية، لكنها قد تكون نقطة الانطلاق نحو إصلاح اقتصادي أوسع، إذا ما اقترنت بإرادة سياسية حقيقية وشجاعة في معالجة جذور الفساد والاختلالات المؤسسية هي بداية لا بد منها، لكن النجاح مرهون بالشفافية، والمهنية، واستعادة الثقة، لا فقط بتغيير الورق.