أبرز جوانب الانهيار الاقتصادي في سوريا والقطاعات الأكثر تأثرًا بالحرب

منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، دخل الاقتصاد السوري في حالة من الانهيار غير المسبوق، حيث تحوّلت البلاد من واحدة من الاقتصادات الواعدة في منطقة الشرق الأوسط إلى نموذج لتبعات الحرب والصراع على الاقتصاد الوطني فقد أدى الصراع المستمر لأكثر من عقد من الزمن، إلى تدمير البنية التحتية، وانهيار القطاعات الحيوية كالنفط، الصناعة، والزراعة، بالإضافة إلى نزوح ملايين السوريين وفقدان جزء كبير من الكوادر البشرية المؤهلة.

 

ووفقًا لتقارير البنك الدولي، خسر الاقتصاد السوري نحو 90% من حجمه خلال هذه السنوات، إذ انخفض الناتج المحلي الإجمالي من 67 مليار دولار عام 2009 إلى أقل من 8.2 مليارات دولار في عام 2021، وسط تقديرات تشير إلى استمرار التراجع في العام الحالي.

 

وإلى جانب ذلك، شهدت العملة المحلية انهيارًا دراماتيكيًا، حيث ارتفع سعر صرف الدولار الأمريكي من 50 ليرة سورية قبل الأزمة إلى ما يزيد عن 15 ألف ليرة في السوق السوداء، ما أدى إلى ارتفاع هائل في مستويات التضخم وانخفاض القدرة الشرائية للسكان إلى مستويات كارثية.

 

اليوم، ومع انتهاء عهد النظام السابق وبروز بوادر سياسية جديدة، يترقب السوريون بعين التفاؤل والحذر إمكانية عودة الحياة إلى الاقتصاد المحلي لكن التحدي الأكبر يتمثل في إعادة بناء ما دمرته الحرب، وإحياء القطاعات الاقتصادية الرئيسة التي كانت تشكل ركيزة الاقتصاد السوري قبل الأزمة، مثل الطاقة والبنية التحتية، وجذب الاستثمارات الخارجية للمساهمة في إعادة الإعمار.

 

إن هذا المقال يستعرض أبرز جوانب الانهيار الاقتصادي في سوريا، ويحلل القطاعات الأكثر تأثرًا بالحرب، مع تسليط الضوء على الفرص الممكنة للنهوض بالاقتصاد مجددًا في حال توافر بيئة سياسية مستقرة ودعم دولي مستدام.

التدهور الاقتصادي من أرقام مزدهرة إلى أرقام كارثية

في عام 2009، قُدّر الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بحوالي 67 مليار دولار وفق بيانات البنك الدولي، متفوقًا على الناتج المحلي لكل من لبنان والأردن مجتمعين في ذلك الوقت. كان الاقتصاد السوري متنوعًا ومرتكزًا على قطاعات رئيسية مثل النفط، الزراعة، السياحة، والصناعة.

 

لكن بعد سنوات الحرب والصراع، تراجعت هذه الأرقام بشكل حاد. ففي عام 2021، انخفض الناتج المحلي الإجمالي إلى 8.2 مليارات دولار فقط وتشير التوقعات إلى أن الناتج المحلي قد يسجل 6.2 مليارات دولار فقط خلال العام الجاري، وهو ما يمثل نحو 13% فقط من الناتج المحلي الإجمالي للأردن حاليًا.

 

وإذا صحت توقعات عام 2024، فإن الاقتصاد السوري سيعود إلى مستويات مماثلة لما كانت عليه البلاد قبل نحو 39 عامًا، وفق البيانات التاريخية للبنك الدولي.

التضخم وتدهور قيمة العملة

إلى جانب تراجع الناتج المحلي، شهدت سوريا ارتفاعًا هائلًا في معدلات التضخم وتدهورًا كبيرًا في قيمة الليرة السورية. قبل الأزمة، كان الدولار الأمريكي يساوي حوالي 50 ليرة سورية، لكن خلال السنوات الأخيرة تجاوز سعر الصرف حاجز الـ 15 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد في السوق السوداء، ما أدى إلى انهيار القدرة الشرائية للسكان وارتفاع مستويات الفقر إلى نحو 90% من إجمالي السكان.

الاستقرار الاقتصادي والسياسي

مع انتهاء نظام الرئيس السابق بشار الأسد، يترقب السوريون بقدر من التفاؤل عودة الاستقرار التدريجي للاقتصاد المحلي. لكن هذا التفاؤل مرتبط بشكل وثيق بتحقيق الاستقرار السياسي ونجاح الحكومة الجديدة في جذب الاستثمارات وإعادة بناء القطاعات الحيوية.

 

وفي تطور تاريخي، سيطرت الفصائل السورية في 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري على العاصمة دمشق وعدد من المدن الأخرى، مع انسحاب قوات النظام من المؤسسات العامة والشوارع وبهذا ينتهي عهد دام 61 عامًا من حكم حزب البعث، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.

قطاع الطاقة في سوريا

تراجع إنتاج النفط خلال سنوات الحرب

قبل الحرب، شكل قطاع النفط خُمس الناتج المحلي الإجمالي لسوريا ونصف صادراتها، وكان مصدرًا رئيسيًا لإيرادات الدولة. ففي عام 2010، بلغ إنتاج سوريا اليومي نحو 390 ألف برميل نفط، بعد أن وصل إلى ذروته عام 2002 بأكثر من 600 ألف برميل يوميًا.

 

لكن خلال سنوات الصراع، انهار إنتاج النفط إلى مستويات متدنية تتراوح بين 40 و80 ألف برميل يوميًا. ويعتمد إنتاج النفط السوري بشكل رئيسي على منطقتين:

  • الشمال الشرقي، وخاصة في الحسكة.

  • الشرق الممتد على طول نهر الفرات حتى الحدود العراقية بالقرب من دير الزور، مع وجود بعض الحقول الصغيرة في جنوب الرقة.

أهمية إعادة تأهيل قطاع الطاقة

إعادة بناء قطاع النفط والغاز سيكون عنصرًا حاسمًا في جهود التعافي الاقتصادي. إعادة تشغيل الحقول والمصافي لن يؤدي فقط إلى تلبية احتياجات السوق المحلية من الوقود، بل سيعيد إيرادات مالية حيوية للدولة. كما يمكن للغاز أن يلعب دورًا كبيرًا في تحسين قطاع الكهرباء الذي يعاني انهيارًا تامًا، ما يُعد خطوة أولى نحو إعادة بناء الاقتصاد.

 

وبحسب تقارير صحيفة فايننشال تايمز، اعتمد النظام السابق منذ 2014 على النفط الإيراني بمعدل يتراوح بين 50 و80 ألف برميل يوميًا بشروط ائتمانية ميسرة.

فرص الطاقة المتجددة

بالإضافة إلى إعادة تشغيل الحقول التقليدية، يمكن للحكومة الجديدة أن تركز على استثمار مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، خاصة في ظل توفر الإمكانيات الطبيعية الكبيرة في سوريا. هذا الاستثمار قد يسهم في تحسين قطاع الكهرباء بشكل أسرع ويقلل الاعتماد على الوقود التقليدي.

قطاع الإنشاءات والبنية التحتية في سوريا

حجم الأضرار والخسائر في سوريا

شهد قطاع الإنشاءات والبنية التحتية في سوريا تدهورًا هائلًا بسبب الصراع الذي استمر لأكثر من عقد. المدن الكبرى مثل حلب، دمشق، حمص، ودير الزور تعرضت لأضرار جسيمة في المباني السكنية، والمرافق العامة، وشبكات الطرق.

 

ووفق تقديرات البنك الدولي:

  • تجاوزت تكلفة الأضرار في قطاع الإنشاءات والبنية التحتية نحو 120 مليار دولار حتى عام 2023.

  • حوالي 40% من المباني السكنية دُمّرت بالكامل أو تعرضت لأضرار جزئية.

  • 60% من المرافق العامة (المدارس، المستشفيات، المباني الحكومية) تضررت في المناطق التي شهدت صراعات عنيفة.

  • نحو 50% من شبكات الطرق والجسور خرجت عن الخدمة، بما فيها الطريق الدولي M5 (حلب – دمشق) والطريق M4 (اللاذقية – الحسكة).

التحديات والفرص

قبل الحرب، كان قطاع الإسكان يمثل 30% من إجمالي المشاريع الإنشائية في البلاد. أما اليوم، فهو بحاجة إلى استثمارات ضخمة لإعادة بناء أكثر من 3 ملايين وحدة سكنية دُمّرت خلال النزاع.

 

مع عودة تدريجية لبعض اللاجئين والنازحين خلال العامين الماضيين، ارتفع الطلب على المساكن الجديدة، ما أدى إلى تضاعف أسعار العقارات ومواد البناء بمعدل 300% مقارنة بفترة ما قبل الحرب.

 

إضافة إلى ذلك، تُعد إعادة تأهيل شبكات الطرق والجسور أولوية قصوى لربط المدن السورية وتسهيل حركة التجارة الداخلية والخارجية.

إعادة إعمار سوريا

تُقدر الأمم المتحدة أن عملية إعادة الإعمار في سوريا ستتطلب استثمارات سنوية تتراوح بين 10 و15 مليار دولار على مدى العقدين المقبلين ومن المتوقع أن يجذب قطاع الإسكان والبنية التحتية حوالي 60% من إجمالي التمويلات الدولية الموجهة لإعادة الإعمار.

 

إضافة إلى ذلك، يمكن للحكومة السورية الجديدة أن تستفيد من برامج إعادة الإعمار الدولية مثل تلك التي تدعمها الأمم المتحدة والبنك الدولي، إلى جانب جذب الاستثمارات من دول الجوار مثل تركيا والخليج.

 

قد يهمك : تكلفة إعادة إعمار سوريا.. بين التحديات الاقتصادية والدمار الهائل وأرقام تتجاوز التوقعات

 

الخلاصة: بينما يواجه الاقتصاد السوري تحديات ضخمة، فإن الفرص موجودة لإعادة بناء القطاعات الحيوية التي يمكن أن تُعيد الحياة إلى البلاد. من الطاقة إلى البنية التحتية، يتطلب التعافي الاقتصادي جهودًا منسقة واستقرارًا سياسيًا يجذب الاستثمارات ويدعم إعادة الإعمار.

 

وفي ظل التوجه العالمي نحو التنمية المستدامة، يمكن لسوريا أن تركز على الطاقة المتجددة، البنية التحتية الحديثة، والقطاعات الإنتاجية كالصناعة والزراعة، ما سيشكل نواة لاقتصاد سوري جديد ومستدام على المدى البعيد.

تم التحديث في: الأربعاء, 18 كانون الأول 2024 09:52
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول