تراجع أسعار النفط وسط تصاعد المخاوف من حرب تجارية بين الصين وأميركا
تشهد أسواق الطاقة العالمية هذه الأيام حالة من التذبذب وعدم الاستقرار، في ظل تصاعد التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم الولايات المتحدة والصين.
وقد انعكست هذه التوترات مباشرة على أسعار النفط التي سجلت انخفاضاً واضحاً خلال تداولات الأربعاء، مدفوعة بمخاوف متزايدة من تباطؤ اقتصادي عالمي قد يُضعف من الطلب على النفط ويضغط على أسعار الطاقة بشكل عام.
وتأتي هذه التطورات في وقت حساس تشهد فيه الأسواق ضغوطاً إضافية، أبرزها تباطؤ نمو الطلب العالمي، وزيادة ملحوظة في مخزونات الخام الأميركية، إضافةً إلى ارتفاع الإنتاج من قبل دول تحالف "أوبك+"، مما يرسم صورة أكثر قتامة لمستقبل سوق النفط على المدى القصير والمتوسط.
أداء أسعار النفط اليوم
في تفاصيل الأسواق، تراجعت العقود الآجلة لخام برنت في بداية تداولات اليوم الأربعاء بمقدار 72 سنتاً، أي بنسبة 1.13%، لتسجل 63.95 دولاراً للبرميل، وذلك بحلول الساعة 06:10 بتوقيت غرينتش، وفقاً لبيانات وكالة رويترز.
كما انخفض خام غرب تكساس الوسيط الأميركي، وهو الخام القياسي الأميركي، بمقدار 73 سنتاً، أي بنسبة 1.2%، ليبلغ مستوى 60.60 دولاراً للبرميل، في تراجع يُضاف إلى انخفاض طفيف سجّله الخام بنسبة 0.3% خلال جلسة أمس الثلاثاء.
ويُعزى هذا الانخفاض إلى القلق المتزايد من التأثيرات السلبية للسياسات الحمائية التي تنتهجها الولايات المتحدة، وعلى رأسها الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي استهدفت العديد من الشركاء التجاريين، وفي مقدمتهم الصين.
هذه السياسات، وردود الفعل الانتقامية المقابلة من الصين، زادت من احتمالات نشوب حرب تجارية شاملة، مما أدى إلى انخفاض شهية المخاطرة لدى المستثمرين وزيادة حالة الترقب والضبابية في أسواق المال والطاقة.
قد يهمك : دليل شامل عن النفط السلعة الأكثر تداولاً في العالم وكيفية الاستثمار بها
تحذيرات وكالة الطاقة الدولية
في تطور لافت، أصدرت وكالة الطاقة الدولية يوم أمس تقريراً يحمل إشارات سلبية قوية حول مستقبل الطلب على النفط. فقد توقعت الوكالة أن يشهد عام 2025 أبطأ معدل نمو في الطلب العالمي على النفط منذ خمس سنوات، وذلك نتيجة مباشرة للتباطؤ المتوقع في الاقتصاد العالمي بسبب التوترات التجارية.
وبحسب التقرير، من المتوقع أن ينمو الطلب العالمي على النفط خلال هذا العام بمقدار 730 ألف برميل يومياً فقط، مقارنةً بتقديرات سابقة كانت تتوقع زيادة تصل إلى 1.03 مليون برميل يومياً، أي أن التخفيض في التقديرات بلغ 300 ألف برميل يومياً، وهو أكبر من الخفض الذي أجرته منظمة البلدان المصدّرة للبترول "أوبك" في توقعاتها الأخيرة التي صدرت يوم الإثنين.
وأشارت الوكالة إلى أن أحد أبرز الأسباب وراء هذا التراجع في الطلب هو تباطؤ النمو الاقتصادي الناتج عن التوترات التجارية، إضافةً إلى تباطؤ وتيرة زيادة الإنتاج الأميركي، خاصة من النفط الصخري، تحت تأثير الرسوم الجمركية وارتفاع التكاليف التشغيلية.
محللون يحذرون من استمرار الضغط على السوق
من جهته، صرّح تيتسو إيموري، الرئيس التنفيذي لشركة "إيموري لإدارة الصناديق"، لوكالة رويترز بأن سوق النفط يعاني حالياً من اختلال واضح بين العرض والطلب، وهو ما يضع مزيداً من الضغط على الأسعار. وأكد أن وكالة الطاقة الدولية كانت واضحة في إشارتها إلى أن الطلب العالمي سيبقى ضعيفاً أو "متواضعاً" في أفضل الأحوال خلال الفترة القادمة.
وأضاف إيموري:
"ما لم نشهد تعافياً في أسواق الأسهم –التي تتعرض بدورها لضغوط نتيجة الرسوم الجمركية والتوترات الجيوسياسية– فإن أسعار النفط من غير المرجّح أن تحقق صعوداً مستداماً. وحتى في حال تحسّن الأسواق المالية، فإن أقصى ما يمكن أن تصل إليه أسعار خام غرب تكساس الوسيط هو 65 دولاراً، أما دون ذلك، فإن الأسعار قد تبقى محصورة ضمن نطاق 60 دولاراً للبرميل".
بدوره، أكّد ييـب جون رونغ، محلل السوق في مؤسسة IG، أن المستثمرين يجدون صعوبة كبيرة في العثور على محفزات جديدة تدعم ارتفاع الأسعار، مشيراً إلى أن المخاوف من تباطؤ النمو العالمي نتيجة فرض المزيد من الرسوم الجمركية لا تزال قائمة وبقوة، وهو ما يُبقي التوقعات المستقبلية للطلب على النفط ضمن السيناريوهات السلبية.
وقال رونغ:
"لا يزال الاتجاه العام لأسعار النفط يتسم بالهبوط، وربما تتلاشى موجة التفاؤل الأولى التي سادت الأسواق بعد إشارات عن إمكانية خفض بعض الرسوم. ومع استمرار تدفق البيانات الاقتصادية السلبية، من المرجح أن تعود الأسواق إلى حالة تشاؤمية أكبر".
أداء ضعيف منذ بداية الشهر وضغوط متزايدة من إنتاج "أوبك+"
وتُظهر البيانات التاريخية أن أسعار النفط فقدت حوالي 13% من قيمتها منذ بداية أبريل/نيسان الجاري، مدفوعة بمزيج من العوامل السلبية، على رأسها تصاعد التوترات التجارية بين واشنطن وبكين، وزيادة الإمدادات من قبل تحالف "أوبك+"، والذي يضم منظمة الدول المصدّرة للنفط "أوبك" إلى جانب مجموعة من الحلفاء على رأسهم روسيا.
الزيادة في الإنتاج من هذا التحالف جاءت رغم الجهود السابقة لخفض المعروض وتحقيق توازن في السوق، إلا أن الضغوط الجيوسياسية والتنافس على الحصص السوقية جعلت الكثير من المنتجين يتجهون لرفع معدلات الضخ، ما زاد من وفرة المعروض عالمياً ودفع الأسعار للانخفاض.
ارتفاع مفاجئ في المخزونات الأميركية يعمّق القلق
وفيما يتعلق بالمخزونات الأميركية، نقلت مصادر في السوق عن بيانات صادرة عن معهد البترول الأميركي، أن مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة ارتفعت بمقدار 2.4 مليون برميل خلال الأسبوع المنتهي في 11 أبريل/نيسان. هذا الارتفاع فاق توقعات الأسواق وزاد من الضغوط السلبية على أسعار الخام.
وفي المقابل، أظهرت البيانات تراجعاً في مخزونات البنزين بمقدار 3 ملايين برميل، وانخفاضاً في مخزونات نواتج التقطير – والتي تشمل وقود التدفئة والديزل – بمقدار 3.2 ملايين برميل. ورغم أن انخفاض هذه المنتجات يُعدّ إيجابياً نوعاً ما من ناحية دعم الأسعار، إلا أن تأثير ارتفاع مخزون الخام كان الأبرز في التأثير على المعنويات السوقية.
توقعات مستقبلية: هل من مجال للتعافي أم أن التراجع سيستمر؟
في ضوء كل ما سبق، يبدو أن أسعار النفط تواجه فترة عصيبة، حيث تتداخل عوامل سلبية عدة، أبرزها:
-
الحرب التجارية الأميركية الصينية وتداعياتها على النمو العالمي.
-
تباطؤ الطلب العالمي على النفط وفقاً لتقارير دولية.
-
زيادة الإمدادات من تحالف "أوبك+".
-
ارتفاع المخزونات الأميركية بشكل غير متوقع.
-
ضعف الأسواق المالية العالمية.
وفي ظل غياب محفزات قوية، فإن تعافي أسعار النفط يبدو صعباً على المدى القريب، ما لم تحدث تطورات إيجابية مفاجئة في العلاقات التجارية العالمية أو في السياسات النقدية والمالية الكبرى.