الذهب يرتفع بعد أكبر انخفاض يومي في 5 أشهر وسط تزايد الغموض التجاري بين أمريكا والصين
قفزت أسعار الذهب خلال جلسات التداول الآسيوية ليوم الخميس بشكل ملحوظ، في استجابة مباشرة لتصاعد التوترات الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا، واستمرار حالة عدم اليقين بشأن مستقبل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
يأتي هذا الارتفاع بعد يوم من الخسائر الحادة التي تكبدها المعدن الثمين نتيجة تصريحات وصفت بأنها أكثر تصالحية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلا أن هذه التصريحات لم تكن كافية لكبح القلق في الأسواق.
أداء أسعار الذهب اليوم
شهدت أسعار الذهب الفوري ارتفاعًا بنسبة 0.93% لتصل إلى 3,318 دولارًا للأونصة، كما ارتفعت العقود الآجلة للذهب التي تنتهي في يونيو بنسبة 1.11% لتسجل 3,330 دولارًا للأونصة بحلول الساعة 09:40 صباحًا بتوقيت تركيا. ويعد هذا الارتفاع تعافيًا سريعًا من أكبر انخفاض يومي شهدته أسعار الذهب منذ خمسة أشهر وانخفض مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة 0.24% إلى 99.40 .
تراجع الذهب في وقت سابق من هذا الأسبوع عندما أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إمكانية خفض الرسوم الجمركية المفروضة على الصين. هذه التصريحات التي جاءت مفاجئة للأسواق أوقفت مسار الذهب الصاعد مؤقتًا، لكنها لم تنجح في تغييب المخاوف الحقيقية المتعلقة بمآلات الحرب التجارية والاقتصاد العالمي.
التوترات الروسية الأوكرانية تعزز الطلب على الملاذات الآمنة
عاد الذهب والين الياباني إلى الواجهة كمصدرين رئيسيين للملاذ الآمن، بعد قيام روسيا بشن هجوم قاتل على العاصمة الأوكرانية كييف، مستخدمة الطائرات المسيرة والصواريخ. هذا التصعيد العسكري أعاد شبح الحرب الشاملة إلى الأذهان، ما أدى إلى تدفقات كبيرة إلى الأصول الآمنة وعلى رأسها الذهب.
جاء الهجوم الروسي في وقت حساس للغاية، إذ تتوسط الولايات المتحدة في محادثات تهدف إلى وقف إطلاق النار بين الطرفين. وقد تعقدت الأمور أكثر بعدما حذر نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، من احتمال انسحاب بلاده من هذه المحادثات، خاصة بعد انسحاب عدد من كبار المسؤولين الأمريكيين من الاجتماعات التي عُقدت في لندن.
توتر في الخطاب السياسي الأمريكي تجاه أوكرانيا
في سياق موازٍ، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتقادات لاذعة ضد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بسبب موقفه من احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، مما زاد من حالة القلق لدى المستثمرين بشأن وحدة الموقف الغربي تجاه الأزمة الأوكرانية.
تصريحات متناقضة من البيت الأبيض ووزارة الخزانة
في خطاب أثار الكثير من الجدل، أشار ترامب إلى أن الرسوم الجمركية البالغة 145% التي فرضها على الصين "شديدة الارتفاع وغير مستدامة"، ملمحًا إلى أنها ستُخفَّض إلى مستويات تتراوح بين 50% و60%. وصرّح بأنه سيُظهر تساهلًا في مفاوضاته المقبلة مع بكين.
وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت عزز بدوره هذه النبرة، مشيرًا إلى "وجود فرصة لإبرام صفقة كبيرة هنا". وخلال كلمته أمام معهد المالية الدولية في واشنطن العاصمة، شدد على أن صفقة شاملة مع الصين قد تستغرق حتى أربع سنوات لاستكمالها، مشيرًا إلى أن عملية إعادة التوازن التجاري والمالي ستكون معقدة وممتدة.
إصلاحات في النظام المالي العالمي
أضاف بيسنت في كلمته بأن المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بحاجة إلى إصلاحات جذرية لضمان أنها تخدم فعلاً مصالح الدول الأعضاء. وأشار إلى أن توسع هذه المؤسسات في مهام غير أساسية أخرجها عن مسارها الأساسي، مما زاد من الاختلالات الاقتصادية في الأسواق العالمية.
وحذر بيسنت من أن خيارات السياسات المتبعة من قبل دول أخرى "جوفّت" القطاع الصناعي الأمريكي، وأضعفت سلاسل التوريد، مما أدى إلى تهديد الأمن القومي والاقتصادي للولايات المتحدة. وأكد أن الوضع الراهن القائم على اختلالات تجارية وهيكلية "غير مستدام".
توقعات جي بي مورجان لأسعار الذهب
في ظل هذه البيئة المتقلبة، توقع بنك جي بي مورجان أن تصل أسعار الذهب الفورية إلى 4,000 دولار للأونصة بحلول العام المقبل، مدفوعة باستمرار الطلب على الملاذات الآمنة، وازدياد التوترات الجيوسياسية، وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، إلى جانب استمرار السياسات النقدية التوسعية في الولايات المتحدة.
أداء متفاوت لباقي المعادن النفيسة والصناعية
في حين ركز المستثمرون بشكل كبير على الذهب، فإن باقي المعادن شهدت تحركات متباينة:
-
ارتفعت عقود البلاتين الآجلة بنسبة 0.1% إلى 979.75 دولارًا للأونصة.
-
تراجعت عقود الفضة الآجلة بنسبة 0.8% إلى 33.30 دولارًا للأونصة، في حركة تصحيحية بعد صعود سابق.
-
في قطاع المعادن الصناعية، ارتفعت عقود النحاس الأمريكية إلى 4.8398 دولارًا للرطل، بدعم من تحسن طفيف في بيانات التصنيع الآسيوية.
خلاصة تحليلية: الذهب في قلب العاصفة العالمية
الارتفاع الحاد في أسعار الذهب يعكس بشكل مباشر حجم التوترات المتراكمة في المشهدين السياسي والاقتصادي العالمي. من الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، إلى التدهور في العلاقات الروسية الأوكرانية، مرورًا بالتقلبات في السياسات النقدية الأمريكية — كل هذه العوامل تجعل الذهب الوجهة المفضلة للمستثمرين الباحثين عن الأمان.
ومع التوقعات المتزايدة بمزيد من الصعود في الأسعار، يبدو أن الذهب سيظل يحتل مركز الصدارة في سلوك الأسواق المالية خلال الفترة القادمة، خاصة في حال استمرار التصعيد على الجبهات الجيوسياسية والتجارية والنقدية.