الذهب يواصل تألقه مدفوعاً بالتوترات الجيوسياسية: العوامل المؤثرة وتوقعات البنوك لمستقبله المشرق
شهدت أسعار الذهب اليوم، الثلاثاء 22 أكتوبر، ارتفاعاً ملحوظاً لتقترب من أعلى مستوياتها التاريخية، متأثرة بالتوترات الجيوسياسية المتزايدة، رغم المكاسب التي حققها الدولار يأتي هذا الارتفاع في ظل حالة من عدم اليقين تسيطر على الأسواق العالمية مع ترقب المستثمرين للتطورات السياسية والاقتصادية.
العوامل المؤثرة في ارتفاع أسعار الذهب
الانتخابات الأمريكية وتصاعد التوترات في الشرق الأوسط
أسعار الذهب ارتفعت بشكل ملحوظ منذ بداية الأسبوع مع تصاعد عدم اليقين المرتبط بالانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 يتنافس الرئيس السابق دونالد ترامب ونائبة الرئيس كامالا هاريس في معركة شرسة، حيث تمثل الولايات السبع المتأرجحة عامل الحسم في هذه الانتخابات هذا المناخ السياسي المتوتر دفع المستثمرين إلى اللجوء للذهب كملاذ آمن لحماية استثماراتهم من تقلبات الأسواق.
من جهة أخرى، تشهد منطقة الشرق الأوسط توترات متزايدة، ما يزيد من المخاوف حول استقرار الأوضاع الجيوسياسية. تصاعد الأزمات الإقليمية يزيد من قلق الأسواق المالية العالمية، ويعزز الطلب على الذهب كأصل تحوطي. في مثل هذه الظروف، يصبح الذهب خيارًا استثماريًا مفضلاً لمواجهة عدم اليقين السياسي.
تأثير قرارات البنوك المركزية
البنوك المركزية العالمية تلعب دورًا رئيسيًا في تحديد اتجاه أسعار الذهب، لا سيما من خلال سياسات التيسير النقدي. البنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) والبنك المركزي الأوروبي خفضا أسعار الفائدة مؤخراً، وهو ما دفع أسعار الذهب إلى الارتفاع. هذه القرارات النقدية تهدف إلى دعم الاقتصاد العالمي المتباطئ، لكن تأثيرها المباشر هو تعزيز قيمة الأصول غير المربوطة بعائدات ثابتة مثل الذهب.
وفقاً لأداة "فيد ووتش"، هناك توقعات بنسبة 91% بأن يقوم الفيدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس خلال اجتماعه القادم. خفض الفائدة عادة ما يؤدي إلى تراجع قيمة الدولار، مما يدعم أسعار الذهب. ومع ذلك، فإن الذهب يتحدى قوة الدولار في الوقت الحالي، حيث يظل الطلب على المعدن الأصفر قوياً رغم صعود العملة الأمريكية.
أداء الذهب والمعادن النفيسة
أسعار الذهب اليوم
سجل الذهب في المعاملات الفورية ارتفاعًا بنسبة 0.3% ليصل إلى 2729.40 دولار للأونصة بحلول الساعة 06:54 بتوقيت غرينتش
وسجل المعدن الثمين مستوى قياسياً مرتفعاً، بسعر 2740.37 دولاراً للأونصة يوم الاثنين، وقد سجل مستويات قياسية عدة مرات هذا العام وارتفعت العقود الآجلة للذهب تسليم ديسمبر كانون الأول إلى 2747.7 دولار للأونصة مما يعكس تفاؤل المستثمرين باستمرار هذا الاتجاه الصاعد على المدى القصير والمتوسط.
الفضة والبلاتين والبلاديوم: أداء المعادن الأخرى
لم يقتصر الارتفاع في الأسواق على الذهب فقط، حيث شهدت الفضة زيادة ملحوظة بنسبة 1.1% لتصل إلى 34.03 دولار للأونصة، وهو أعلى مستوى لها منذ أواخر 2012.
يعتبر هذا الارتفاع في أسعار الفضة دليلاً على تنامي الطلب على المعادن النفيسة بشكل عام، خاصة في ظل المخاوف الاقتصادية العالمية.
أما بالنسبة للبلاتين، فقد ارتفع بنسبة 0.3% ليصل إلى 1016.21 دولار للأونصة، مسجلاً أعلى مستوى له منذ منتصف يوليو. كذلك ارتفع البلاديوم بنسبة 0.3% ليصل إلى 1076 دولاراً، حيث يستمر الطلب الصناعي في دفع أسعاره نحو الأعلى.
تحديات الذهب أمام قوة الدولار وعوائد السندات الأمريكية
رغم الارتفاعات القوية التي شهدها الذهب، فإن الدولار الأمريكي لا يزال يسجل أداءً قوياً، حيث وصل العائد على سندات الخزانة الأمريكية إلى أعلى مستوى له في 12 أسبوعاً يُعَدُّ هذا العائد القوي للسندات تحدياً تقليدياً لأسعار الذهب، نظراً لأن المستثمرين يفضلون أحياناً الأصول ذات العائد الثابت مثل السندات على الذهب الذي لا يوفر عائداً مباشراً.
لكن ما يميز الذهب في الوقت الحالي هو قدرته على التحدي والتغلب على هذه العوامل السلبية. الطلب القوي على المعدن الأصفر كأصل تحوطي يجعله قادراً على الصمود أمام العوائد المرتفعة للسندات وقوة الدولار، ما يؤكد على مكانته المتميزة كملاذ آمن في ظل الأزمات العالمية.
التوقعات المستقبلية للذهب
توقعات سيتي بنك
أشارت توقعات سيتي بنك إلى أن أسعار الذهب قد تستمر في الصعود حتى عام 2025، مدفوعة بانتعاش التدفقات إلى صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs) وتوقعات استمرار خفض أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية الكبرى حول العالم.
كما أن سيتي بنك يرى أن الاقتصاد الأمريكي يمر بمرحلة متأخرة من الدورة الاقتصادية، مما يعني احتمالاً أكبر لضعف سوق العمل واستمرار شراء البنوك المركزية للذهب كجزء من احتياطاتها الاستراتيجية.
توقعات بنك غولدمان ساكس
في مذكرة بتاريخ 30 سبتمبر، كرر بنك غولدمان ساكس توصيته بشراء الذهب على المدى الطويل، مستنداً إلى توقعات استمرار خفض أسعار الفائدة العالمية وزيادة الطلب من البنوك المركزية. كما أشار البنك إلى أن الذهب يمثل أداة تحوط قوية ضد المخاطر الجيوسياسية والمالية، فضلاً عن دوره في الحماية من الركود الاقتصادي.
يتوقع البنك أن ترتفع أسعار الذهب إلى 2900 دولار للأونصة بحلول أوائل عام 2025، مشيراً إلى أن مشتريات البنوك المركزية قد تشكل ثلثي هذا الارتفاع المتوقع. بالإضافة إلى ذلك، يُتوقع أن يؤدي ارتفاع تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة إلى دعم الاتجاه الصعودي للذهب.
بنك جيه بي مورغان
في مذكرة صادرة بتاريخ 23 سبتمبر، أشار بنك جيه بي مورغان إلى أن الطلب القوي على الذهب من الصين والبنوك المركزية كان عاملاً حاسماً في دعم أسعار الذهب خلال العامين الماضيين وأكد البنك أن تدفقات المستثمرين إلى صناديق الاستثمار المتداولة، وخاصة الصناديق التي تركز على المستثمرين الأفراد، ستظل مفتاحاً لتحقيق المزيد من الارتفاع في الأسعار خلال دورة تخفيض أسعار الفائدة القادمة من الاحتياطي الفيدرالي.
أداء الذهب في 2024
الذهب حقق مكاسب كبيرة هذا العام، حيث ارتفعت أسعاره بنسبة 31.6% حتى الآن، وهو ما يضعه على المسار الصحيح لتحقيق أكبر ارتفاع سنوي منذ عام 2007. هذه الزيادة الملحوظة تعزز مكانة الذهب كأحد الأصول البارزة لعام 2024، وسط التقلبات الاقتصادية والجيوسياسية التي تسيطر على المشهد العالمي.
في ختام تعاملات الاثنين 21 أكتوبر ، سجل الذهب مستوى قياسياً عند 2740.37 دولار للأونصة، وهو مستوى مرتفع جديد يعزز الثقة في استمرار هذا الاتجاه الصاعد.
الخلاصة: بشكل عام، يستفيد الذهب حالياً من عدة عوامل تدعم ارتفاع أسعاره، من بينها التوترات الجيوسياسية، قرارات البنوك المركزية بخفض أسعار الفائدة، وضعف الاقتصاد العالمي. ومع استمرار هذه العوامل في السيطرة على المشهد الاقتصادي، يتوقع الخبراء أن يظل الذهب هو الملاذ الآمن المفضل لدى المستثمرين خلال السنوات المقبلة.