أسعار الذهب تسجل أعلى مستوى في تاريخها مدعومة بضعف الدولار وتصاعد التوترات الجيوسياسية

قفزت أسعار الذهب إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق خلال تعاملات اليوم الإثنين، مدفوعة بتراجع الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوياته منذ ثلاث سنوات، وتنامي حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي على المستوى الدولي.

وتزامن ذلك مع تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين، إلى جانب التوترات الجيوسياسية المتصاعدة بين روسيا وأوكرانيا، وتصريحات صينية شديدة اللهجة ضد تحالفات تجارية قد تضر بمصالحها هذه العوامل مجتمعة دفعت المستثمرين للجوء بكثافة إلى الذهب كملاذ آمن للتحوّط من المخاطر المتصاعدة.

صعود الذهب إلى مستويات تاريخية وسط ترنّح الدولار

سجّلت أسعار الذهب الفوري قفزة قوية بنسبة 1.99% لتبلغ 3,393.43 دولاراً للأوقية، بينما ارتفعت العقود الآجلة المقررة في يونيو بنسبة 2.31% لتصل إلى 3,405.19 دولاراً للأوقية، وذلك في تمام الساعة العاشرة صباحاً بتوقيت تركيا.

أسباب صعود الذهب 

• هبوط الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات مقابل سلة من العملات الرئيسية، وهو ما يزيد من جاذبية الذهب للمستثمرين من خارج الولايات المتحدة، نظراً لانخفاض تكلفة شراء المعدن عند تحويل العملات الأخرى إلى الدولار وانخفض مؤشر الدولار بنسبة 1.13% الى 98.045 .

• تصاعد التوترات الجيوسياسية، مما خلق بيئة خصبة للطلب على الذهب كملاذ آمن.

• استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي نتيجة السياسات التجارية الأمريكية الهجومية، وتصريحات من مسؤولي الإدارة الأمريكية عن نوايا لإجراء تغييرات جذرية في السياسة النقدية.

تدخّل ترامب في الاحتياطي الفيدرالي يثير مخاوف السوق

أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلاً واسعاً بعد إعلانه عن خطة لإصلاح مجلس الاحتياطي الفيدرالي، ما أعاد إلى السطح تساؤلات جوهرية حول مدى استقلالية هذا الكيان المالي الحيوي في النظام الأمريكي.

وقد زاد الطين بلّة تصريح مستشار البيت الأبيض كيفن هاسيت، الذي لمّح إلى أن الإدارة الأمريكية تدرس إمكانية عزل جيروم باول من منصبه كرئيس للفيدرالي، الأمر الذي أطلق موجة من الذعر في الأسواق المالية.

• هذه التصريحات شكلت ضغطاً كبيراً على الدولار الأمريكي الذي تراجع بشكل لافت.

• ساهمت في تأجيج مخاوف المستثمرين بشأن التلاعب السياسي في السياسة النقدية.

• دعمت مجدداً الطلب على الذهب، الذي يُنظر إليه كأصل لا يتأثر مباشرةً بالتدخلات السياسية.

روسيا وأوكرانيا... التوتر لا يهدأ رغم الهدنة

رغم إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هدنة ليوم واحد في أوكرانيا تزامناً مع عيد الفصح الأرثوذكسي، إلا أن ذلك لم يمنع تجدد الاشتباكات والهجمات العسكرية بعد ساعات قليلة من انتهاء الهدنة.

أهم التطورات:

• شنت روسيا ضربات صاروخية وهجمات بطائرات مسيّرة على الأراضي الأوكرانية.

• تبادلت موسكو وكييف الاتهامات بشأن من انتهك الهدنة.

• أعلن الكرملين صراحة أن وقف إطلاق النار المؤقت لن يتم تمديده.

التأثير على الأسواق:

• هذه التطورات أذكت من جديد التوترات في شرق أوروبا.

• ساهمت في رفع مستويات القلق لدى المستثمرين، ودعمت التوجه نحو الذهب كملاذ تحوطي.

الصين ترفع سقف التحذير من أي اتفاقات ضد مصالحها

في تطور سياسي وتجاري بالغ الأهمية، حذّرت الصين على لسان وزير تجارتها من أن بكين ستتخذ "إجراءات تبادلية حاسمة" إذا ما تم إبرام اتفاقات تجارية تضر بمصالحها، خصوصاً تلك التي تكون بالتعاون مع الولايات المتحدة.

الدوافع وراء التصعيد الصيني:

• استشعار خطر من تحالفات تجارية قد تعزل الصين أو تفرض عليها قيوداً جديدة.

• تصاعد الحرب التجارية القائمة مع الولايات المتحدة.

• عادت طائرة "بوينغ 737 ماكس"، التي كانت مخصصة لشركة طيران صينية، إلى الولايات المتحدة، في خطوة تعكس تصاعد الاحتكاك التجاري والسياسي بين البلدين.

ترامب يهدد برسوم جديدة على المعادن

أمر الرئيس الأمريكي بفتح تحقيق رسمي لبحث إمكانية فرض رسوم جمركية إضافية على واردات المعادن الأساسية. وتستهدف هذه الخطوة الضغط على الصين، التي تُعد من كبار المنتجين والمصدّرين لهذه المعادن على مستوى العالم.

• تم الإعلان عن رسوم جمركية بنسبة إجمالية 145% على واردات الصين من بعض المعادن، في تصعيد غير مسبوق.

• مخاوف من رد فعل صيني قد يشعل حرباً تجارية شاملة.

• احتمال تأثر سلاسل التوريد العالمية، لا سيما في الصناعات التكنولوجية والمعادن النادرة.

أداء المعادن الأخرى يتباين وسط حالة عدم اليقين

• ارتفعت العقود الآجلة للفضة بنسبة 1% لتصل إلى 32.88 دولاراً للأوقية، مدفوعة بنفس العوامل التي أثّرت على الذهب.

• استقرت عقوده الآجلة للبلاتين عند 978.0 دولاراً للأوقية، دون تغيّر يُذكر.

• ارتفعت عقود النحاس القياسية في بورصة لندن بنسبة 0.3% إلى 9,231.0 دولاراً للطن.

• كما ارتفعت عقود النحاس الآجلة لشهر مايو بنسبة 1.29% لتسجل 4.7658 دولاراً للرطل.

• لكن هذه المكاسب جاءت محدودة بسبب التهديد الأمريكي بفرض رسوم جمركية جديدة، ما خلق حالة من الحذر في السوق.

الصناديق المدعومة بالذهب تواصل النمو و"غولدمان ساكس" تتوقع قفزات إضافية

• شهدت صناديق المؤشرات المتداولة المدعومة بالذهب نمواً متواصلاً في الحيازات على مدار 12 أسبوعاً متتالياً، وهو أطول اتجاه صعودي منذ عام 2022.

• واصلت البنوك المركزية شراء الذهب لدعم احتياطياتها النقدية، مما شكّل دعامة قوية للأسعار.

• توقعت مجموعة "غولدمان ساكس" الاستثمارية أن يبلغ سعر الذهب 4,000 دولار للأونصة بحلول منتصف العام المقبل، مدفوعة بالمخاوف الاقتصادية، والتوسع في التيسير النقدي المتوقع.

العلاقة بين الذهب والسياسة النقدية الأمريكية

في ظل الحديث عن إصلاح محتمل لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، تُثار تساؤلات كثيرة حول مستقبل السياسة النقدية الأمريكية، وتأثير ذلك على تحركات الأسواق.

• إن أي مساس باستقلالية الفيدرالي يُنظر إليه كسابقة خطيرة قد تفقد المستثمرين ثقتهم في النظام النقدي الأمريكي.

• وهذا من شأنه أن يدفع مزيداً من رؤوس الأموال للخروج من الدولار، والتوجه نحو الذهب كأصل بديل وأكثر أماناً.

هل سيتراجع الذهب؟ قراءة في وجهتي النظر

سيناريو استمرار الصعود:

• إذا استمرت التوترات الجيوسياسية.

• وإذا واصل الدولار تراجعه.

• وإذا تزايدت المخاوف بشأن السياسة النقدية الأمريكية.

سيناريو التصحيح:

• يرى المحلل "يوشوان ليو" من شركة "غوتاي جونان للعقود الآجلة" أن تراجع ترامب عن فرض الرسوم الجمركية، أو تحسّن التوقعات الاقتصادية الأمريكية، قد يعيد الثقة إلى أسواق الأسهم، مما قد يخفف الضغط الصعودي على الذهب.

خلاصة: الذهب في قلب الزلازل الاقتصادية والسياسية

من الواضح أن الذهب يعيش واحدة من أقوى موجات الصعود في تاريخه، مدعوماً بعوامل لا يبدو أنها ستنتهي قريباً. وبينما يظل المعدن الأصفر ملاذاً تقليدياً في أوقات الأزمات، فإن الأوضاع العالمية الحالية، بما فيها:

• التهديدات التجارية المتبادلة،

• التغيرات المحتملة في السياسة النقدية الأمريكية،

• تصاعد التوترات الجيوسياسية،

كلها عوامل تجعل الذهب الخيار المفضل لدى المستثمرين. أما الأفق القريب، فهو مرهون بتطورات المشهد الجيوسياسي، وسرعة استجابة البنوك المركزية الكبرى لهذه التغيرات.