تراجع الذهب بضغط من تصريحات مسؤولي الفيدرالي وترقب المستثمرين والأسواق لبيانات أمريكية هامة
شهدت أسعار الذهب العالمية تراجعًا ملحوظًا في بداية تعاملات يوم الاثنين، متأثرة بتصريحات مسؤولين بارزين في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خلال عطلة نهاية الأسبوع. جاءت هذه التصريحات لتؤكد التزام البنك المركزي الأمريكي باتباع نهج حذر فيما يتعلق بخفض أسعار الفائدة، مما أدى إلى تزايد المخاوف لدى المستثمرين حول استمرار التشديد النقدي لفترة أطول مما كان متوقعًا.
تصريحات الفيدرالي وتأثيرها على الذهب
صرّحت ماري دالي، رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، وأدريانا كوغلر، محافظة بنك الاحتياطي الفيدرالي، بأهمية استمرار المعركة ضد التضخم، مشيرتين إلى أن الوصول إلى هدف التضخم البالغ 2% يتطلب المزيد من الصبر والثبات في السياسة النقدية.
وأضافت دالي أن التسرع في تخفيف السياسة النقدية قد يؤدي إلى انعكاسات سلبية على الاقتصاد، مما يزيد من الضغوط على الأسواق المالية وعلى أسعار الأصول المختلفة، بما في ذلك الذهب.
تتسم العلاقة بين الذهب وأسعار الفائدة بأنها عكسية؛ فمع ارتفاع أسعار الفائدة، يصبح الاستثمار في الأصول ذات العائد مثل السندات أكثر جاذبية مقارنة بالذهب الذي لا يدر عائدًا وبالتالي، فإن أي إشارات إلى استمرار رفع الفائدة أو التباطؤ في خفضها تؤدي عادة إلى تراجع أسعار المعدن النفيس.
ترقب البيانات الاقتصادية وتأثيرها المرتقب
في هذا السياق، ينتظر المستثمرون بفارغ الصبر صدور مجموعة من البيانات الاقتصادية الأمريكية هذا الأسبوع، من أبرزها تقرير الوظائف غير الزراعية لشهر ديسمبر، الذي يعد مؤشرًا مهمًا على صحة سوق العمل الأمريكي. أي ضعف في هذا التقرير قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى إعادة النظر في وتيرة رفع أسعار الفائدة، مما قد يعزز أسعار الذهب.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تصدر بيانات مؤشر مديري المشتريات للخدمات (ISM)، وهي بيانات تعكس أداء القطاع الخدمي في الولايات المتحدة. إذا جاءت هذه البيانات دون التوقعات، فقد يؤدي ذلك إلى تراجع الدولار وارتفاع أسعار الذهب نتيجة لتحسن الإقبال على المعدن الأصفر كملاذ آمن.
وصرّح تيم ووترر، كبير المحللين في شركة KCM Trade، قائلاً: “قد تكون بيانات الوظائف الأمريكية هذا الأسبوع هي العامل الحاسم في تحديد ما إذا كان الذهب سيتمكن من كسر نطاقه الحالي أم سيبقى تحت الضغط.” وأضاف ووترر أن السوق يراقب عن كثب كل المؤشرات التي قد تؤثر على سياسة الاحتياطي الفيدرالي.
أداء الذهب والمعادن الأخرى في الأسواق
مع بداية تعاملات الأسبوع، شهدت أسعار الذهب انخفاضًا، حيث تراجع السعر الفوري للذهب بنسبة 0.45% ليصل إلى 2,626 دولارًا للأوقية كما انخفضت العقود الآجلة للذهب بنسبة 0.62% لتسجل 2,638 دولارًا للأوقية هذا التراجع يأتي في ظل ارتفاع طفيف في عوائد سندات الخزانة الأمريكية، مما زاد من الضغوط على أسعار الذهب وانخفض مؤشر الدولار بنسبة 0.15% ليسجل 108.64 عند الساعة 11:00 بتوقيت تركيا
وعلى صعيد المعادن الأخرى، انخفضت الفضة الفورية بنسبة 0.09% لتصل إلى 29.57 دولارًا للأوقية، فيما تراجع البلاتين بنسبة 0.7% ليبلغ 931.30 دولارًا للأوقية. أما البلاديوم، فقد سجل انخفاضًا بنسبة 1.08% ليصل إلى 912.5 دولارًا للأوقية.
من المنتظر أن تصدر هذا الأسبوع محاضر اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي لشهر ديسمبر. هذه المحاضر قد تقدم رؤية أوضح حول توجهات البنك المركزي بشأن أسعار الفائدة خلال الأشهر المقبلة، وما إذا كان هناك أي تغيير في نبرة البنك فيما يتعلق بالتضخم والنمو الاقتصادي.
توقعات جولدمان ساكس بشأن أسعار الذهب
في تقرير حديث له، رفع بنك جولدمان ساكس توقعاته لسعر الذهب خلال الفترة المقبلة، مشيرًا إلى إمكانية وصول السعر إلى 3000 دولار للأوقية بحلول منتصف العام المقبل. كان البنك قد توقع في وقت سابق أن يصل الذهب إلى هذا المستوى بحلول نهاية عام 2025، إلا أن التباطؤ في وتيرة التيسير النقدي دفع البنك إلى تعديل توقعاته.
وأشار البنك في مذكرته، التي نقلتها وكالة بلومبرج، إلى أن استمرار السياسة النقدية المتحفظة من جانب الاحتياطي الفيدرالي يشكل العامل الأساسي وراء تأخير الوصول إلى هذا المستوى المرتفع من الأسعار.
وأضاف المحللان لدى البنك، دان سترويفن ولينا توماس، أن هناك عوامل أخرى تؤثر على أسعار الذهب، مثل تراجع الطلب على صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة بالذهب، وتحسن حالة الاستقرار في الأسواق المالية عقب الانتخابات الأمريكية.
دور البنوك المركزية في دعم أسعار الذهب
بحسب توقعات جولدمان ساكس، من المرجح أن تستمر البنوك المركزية في شراء الذهب بوتيرة متزايدة خلال السنوات المقبلة. يتوقع البنك أن يبلغ متوسط مشتريات البنوك المركزية حوالي 38 طنًا شهريًا بحلول منتصف عام 2026. هذا التوجه يعكس رغبة البنوك المركزية في تنويع احتياطياتها بعيدًا عن الدولار الأمريكي، مما سيظل داعمًا رئيسيًا لأسعار الذهب على المدى الطويل.
يُذكر أن أسعار الذهب ارتفعت بنحو 27% خلال عام 2024، مدفوعة بعدة عوامل، من بينها الطلب المتزايد على الملاذات الآمنة ومشتريات البنوك المركزية. ومع ذلك، توقفت موجة الصعود في شهر نوفمبر الماضي عقب انتهاء الانتخابات الأمريكية، مما أثار تساؤلات حول قدرة الذهب على مواصلة الارتفاع في ظل الظروف الحالية.
أسعار الفائدة الأمريكية وتأثيرها على الذهب
فيما يتعلق بتوقعات أسعار الفائدة، خفّض بنك جولدمان ساكس تقديراته لخفض الفائدة خلال العام الحالي من 100 نقطة أساس إلى 75 نقطة أساس فقط. يعكس هذا التعديل رؤية أكثر تحفظًا من جانب البنك بشأن مدى سرعة الاحتياطي الفيدرالي في خفض تكاليف الاقتراض.
يُشار إلى أن خفض أسعار الفائدة عادة ما يكون عاملًا إيجابيًا لأسعار الذهب، إذ يقلل من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعدن النفيس. وبالتالي، فإن أي إشارات إلى خفض كبير في الفائدة قد تدعم أسعار الذهب بشكل ملحوظ.
الخلاصة : مع استمرار حالة عدم اليقين بشأن السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي وتصاعد التوقعات بشأن أداء الاقتصاد الأمريكي، تبقى أسعار الذهب تحت الضغط في الوقت الحالي. ومع ذلك، فإن أي بيانات اقتصادية ضعيفة أو تلميحات بتيسير نقدي أكبر قد تعيد الزخم الإيجابي إلى المعدن النفيس.
في ظل هذه التحديات، يترقب المستثمرون بحذر البيانات الأمريكية المرتقبة وتوجهات الأسواق المالية العالمية خلال الأسابيع المقبلة، والتي ستكون حاسمة في تحديد المسار المستقبلي لأسعار الذهب.