الذهب يرتفع مدعوماً بانخفاض الدولار وتصاعد التوترات الجيوسياسية والسياسات التجارية

تشهد أسعار الذهب ارتفاعًا ملحوظًا خلال تعاملات يوم الاثنين، مدفوعة بانخفاض قيمة الدولار، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، والمخاوف بشأن السياسات التجارية الأميركية. يتزامن ذلك مع توقعات بأن يؤدي تأخر التوصل لاتفاق سلام بين أوكرانيا وروسيا إلى تعزيز الطلب على الذهب باعتباره ملاذًا آمنًا في أوقات عدم اليقين.

أولًا: العوامل الداعمة لارتفاع أسعار الذهب

ضعف الدولار يعزز الطلب على الذهب

يُعتبر انخفاض قيمة الدولار الأميركي أحد أهم العوامل التي ساهمت في ارتفاع أسعار الذهب. فعندما يتراجع الدولار، يصبح الذهب أقل تكلفة بالنسبة للمستثمرين الذين يحملون عملات أخرى، مما يدفعهم إلى زيادة مشترياتهم من المعدن الأصفر.

 

وقد شهد الدولار الأميركي تراجعًا ملحوظًا خلال تعاملات يوم الاثنين، بعد أن سجل في الأسبوع الماضي أعلى مستوياته خلال أكثر من أسبوعين. يأتي هذا التراجع في ظل مخاوف متزايدة من تأثير السياسات التجارية الأميركية على النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى توقعات متزايدة بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد يضطر إلى اتخاذ قرارات تدعم السيولة في السوق، مثل خفض أسعار الفائدة مستقبلًا.

التوترات الجيوسياسية تدفع المستثمرين نحو الذهب

من بين العوامل الرئيسية التي ساعدت في دعم الذهب أيضًا، التوترات الجيوسياسية المتزايدة، خاصة فيما يتعلق بالصراع بين أوكرانيا وروسيا. فعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية المستمرة، إلا أن المحادثات بين الجانبين لم تسفر عن أي اتفاق سلام حتى الآن.

 

وأدى تأخر التوصل إلى اتفاق إلى تصاعد حالة عدم اليقين في الأسواق المالية، مما دفع المستثمرين إلى البحث عن أصول آمنة، وعلى رأسها الذهب. وقد صرّح كلفن وونغ، كبير محللي الأسواق لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في أواندا (OANDA)، بأن الارتفاع المبكر لأسعار الذهب كان مدفوعًا بالمخاوف المتعلقة باستمرار النزاع الأوكراني، وتأجيل أي اتفاقية للسلام.

السياسات التجارية وتأثيرها على الأسواق

توجه إدارة ترامب نحو فرض تعريفات جمركية جديدة

أحد العوامل الأساسية التي تؤثر على أسعار الذهب حاليًا هو التوجه المتشدد لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه الشركاء التجاريين الرئيسيين. فوفقًا للتقارير، يقترب ترامب من فرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على واردات كندا والمكسيك، مع احتمال دخول هذه التعريفات حيز التنفيذ في وقت مبكر من هذا الأسبوع.

 

بالإضافة إلى ذلك، أعلن ترامب عزمه فرض تعريفات إضافية على الواردات الصينية، حيث أكد أنه سيزيد الرسوم الجمركية على الصين بنسبة 10% يوم الثلاثاء، مما يضاعف التعريفات السابقة التي تم فرضها في 4 فبراير.

التأثير المحتمل على الاقتصاد الأميركي

يثير هذا النهج التجاري المتشدد مخاوف من أن يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد الأميركي، الذي بدأ بالفعل في إظهار علامات التراجع. فمن شأن هذه التعريفات أن ترفع تكاليف الاستيراد، مما يضغط على الشركات والمستهلكين الأميركيين على حد سواء، ويؤدي إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي.

 

يخشى المستثمرون أن تؤدي هذه السياسات إلى ركود اقتصادي، وهو ما قد يدفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى تبني سياسات نقدية أكثر تيسيرًا، مثل خفض أسعار الفائدة لدعم الاقتصاد. وفي حال حدوث ذلك، سيعزز من جاذبية الذهب كأصل لا يدر فوائد، مقارنة بالسندات والعملات التي تتأثر بتغيرات أسعار الفائدة.

توقعات الأسواق بشأن السياسة النقدية والتضخم

هل يتجه الفيدرالي إلى خفض الفائدة؟

مع تزايد التوقعات بضعف الاقتصاد الأميركي، تزداد أيضًا احتمالات خفض أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي. إذ أن أي إشارة إلى احتمال خفض الفائدة مستقبلاً ستعزز من جاذبية الذهب للمستثمرين، حيث يقلل ذلك من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعدن الثمين.

 

في المقابل، أظهرت البيانات الاقتصادية الأخيرة أن التضخم في الولايات المتحدة لا يزال مرتفعًا، وهو ما قد يدفع الفيدرالي إلى التريث قبل اتخاذ أي قرار بخفض الفائدة. فرغم أن تراجع إنفاق المستهلكين الأميركيين في يناير قد يعزز من الحاجة إلى تحفيز الاقتصاد، إلا أن التضخم المرتفع قد يجعل الفيدرالي أكثر حذرًا في خطواته المقبلة.

الركود التضخمي: خطر يهدد الأسواق

تشير التوقعات إلى أن الاقتصاد الأميركي قد يواجه خطر الدخول في مرحلة "الركود التضخمي"، وهو وضع اقتصادي يتميز بضعف النمو الاقتصادي إلى جانب ارتفاع التضخم. وتُعد هذه البيئة مثالية لارتفاع أسعار الذهب، حيث يبحث المستثمرون عن أصول تحافظ على قيمتها في أوقات الأزمات الاقتصادية.

أداء الذهب في الأسواق العالمية

تراجع أسعار الذهب خلال تعاملات الجمعة

رغم الارتفاع الذي شهده الذهب يوم الاثنين، إلا أن أسعار المعدن الثمين تراجعت خلال تعاملات الجمعة الماضية، متأثرة بعمليات جني الأرباح عقب الصعود القياسي الذي سجله الذهب في وقت سابق من الأسبوع.

 

فعند تسوية التعاملات، تراجعت أسعار العقود الآجلة للذهب تسليم شهر أبريل بنسبة 1.65%، أي ما يعادل 47.4 دولار، ليستقر السعر عند 2848.5 دولار للأوقية، مسجلًا خسائر أسبوعية بنسبة 1.8%. ومع ذلك، حقق الذهب مكاسب شهرية طفيفة بلغت 0.5%.

أسعار الذهب في الوقت الفعلي

  • ارتفع الذهب الفوري بنسبة 0.3% ليصل إلى 2,866.19 دولار للأوقية.
  • صعدت العقود الآجلة للذهب في الولايات المتحدة بنسبة 1% لتسجل 2,875.80 دولار.
  • في المقابل، تراجعت عقود مؤشر الدولار بنسبة 0.4% من أعلى مستوى لها في أكثر من أسبوعين، مما جعل الذهب أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب.

أداء المعادن الثمينة الأخرى

1. البلاتين والبلاديوم بين التراجع والارتفاع

إلى جانب الذهب، شهدت المعادن الثمينة الأخرى تحركات متفاوتة خلال التعاملات الأخيرة:

  • تراجع البلاتين الفوري بنسبة 0.3% إلى 944.7 دولار للأوقية.
  • ارتفع البلاديوم بنسبة 0.7% ليصل إلى 925.25 دولار.

وقد أشار المحللون إلى أن الطلب على المعادن الثمينة الصناعية مثل البلاتين والبلاديوم قد يتأثر سلبًا في حال فرضت إدارة ترامب تعريفات جمركية جديدة على واردات السيارات الأميركية، مما قد يؤدي إلى انخفاض مبيعات السيارات وتراجع الطلب على هذه المعادن.

2. الفضة تسجل ارتفاعًا طفيفًا

على صعيد آخر، ارتفعت الفضة الفورية بنسبة 0.3% لتسجل 31.24 دولارًا للأوقية، حيث استفادت جزئيًا من انخفاض الدولار وزيادة الطلب على المعادن النفيسة.

 

خاتمة : تشير جميع المؤشرات إلى أن الذهب سيظل في دائرة الضوء خلال الفترة القادمة، مع استمرار التوترات التجارية، وتصاعد المخاوف من الركود التضخمي، وتزايد احتمالات تخفيض أسعار الفائدة من قبل الفيدرالي الأميركي. وبينما قد تؤدي تقلبات الأسواق إلى بعض التصحيحات السعرية، يظل الذهب أحد الأصول الأساسية التي يلجأ إليها المستثمرون في أوقات الأزمات وعدم اليقين الاقتصادي

تم التحديث في: الاثنين, 03 آذار 2025 11:40
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول