الجنيه الإسترليني يسجل أعلى مستوياته في ستة أشهر مدعومًا ببيانات سوق العمل

سجل الجنيه الإسترليني قفزة ملحوظة مقابل الدولار الأمريكي يوم الثلاثاء، مدفوعًا بسلسلة من العوامل الاقتصادية والسياسية الإيجابية يأتي هذا الأداء القوي في ظل أجواء من التفاؤل تسيطر على الأسواق المالية العالمية، مع انحسار المخاوف بشأن التوترات التجارية وتزايد التوقعات حول استقرار السياسة النقدية البريطانية.

 

كما ساهمت بيانات سوق العمل البريطاني الإيجابية ومؤشرات التضخم في إعادة تشكيل توقعات المستثمرين تجاه أسعار الفائدة، مما عزز من جاذبية العملة البريطانية أمام نظرائها.

أداء الجنيه الإسترليني اليوم

مع بداية جلسة التداول الأوروبية ليوم الثلاثاء، واصل الجنيه الإسترليني مكاسبه أمام الدولار الأمريكي لليوم السادس على التوالي، ليسجل أعلى مستوى له في ستة أشهر عند 1.3221 دولارًا أمريكيًا.

 

ويُعزى هذا الارتفاع إلى تحسن شهية المخاطرة لدى المستثمرين العالميين، على خلفية تراجع المخاوف من التوترات التجارية التي كانت تضغط على الأسواق العالمية في الفترات السابقة.

سعر صرف الجنيه الإسترليني اليوم

أظهرت حركة زوج العملات GBP/USD خلال جلسة الثلاثاء ارتفاعًا بنسبة 0.25%، ليصل إلى 1.3218 دولار، وهو المستوى الأعلى منذ 3 أكتوبر 2024، مقارنة بسعر الافتتاح عند 1.3189 دولار، بينما سجل أدنى مستوى عند 1.3164 دولار.

 

وكان الجنيه قد أنهى جلسة الإثنين على مكاسب قوية بلغت 0.8%، ليُسجل خامس يوم من المكاسب المتتالية، في أطول سلسلة ارتفاعات منذ سبتمبر 2024.

بيانات سوق العمل البريطاني: دعم قوي للعملة المحلية

ساهمت البيانات الاقتصادية الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية (ONS) في تعزيز قوة الجنيه الإسترليني، خاصة تلك المتعلقة بسوق العمل البريطاني خلال فترة الثلاثة أشهر المنتهية في فبراير.

 

وقد أظهرت البيانات إضافة الاقتصاد البريطاني لـ206 آلاف وظيفة جديدة خلال هذه الفترة، متجاوزًا بشكل كبير توقعات الأسواق التي كانت تشير إلى 144 ألف وظيفة فقط، وهي الأرقام المسجلة في الفترة السابقة المنتهية في يناير.

 

وبحسب التقرير، استقر معدل البطالة وفقًا لمعيار منظمة العمل الدولية (ILO) عند 4.4%، متماشيًا مع القراءة السابقة والتقديرات المسبقة، مما يشير إلى حالة من الاستقرار في سوق العمل رغم التحديات الاقتصادية المستمرة.

 

ومع أن هذه الأرقام إيجابية وتعزز من موقف الجنيه الإسترليني، إلا أن هناك توقعات بأن يقوم أصحاب العمل بتقليص وتيرة التوظيف خلال الفترة المقبلة، نتيجةً لزيادة مساهماتهم في برامج الضمان الاجتماعي، والتي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ بدءًا من أبريل.

السياسة الضريبية وتأثيرها على سوق العمل

تزامنت هذه البيانات مع تطبيق تغييرات ضريبية أعلن عنها وزير الخزانة البريطاني، ريتش ريفز، ضمن ميزانية الخريف، حيث تقرر رفع مساهمة أصحاب العمل في التأمين الوطني (National Insurance) من 13.8% إلى 15% ومن المتوقع أن تؤدي هذه الزيادة في التكاليف التشغيلية إلى ضغوط على سوق العمل، وقد تدفع بعض الشركات إلى تقليص عمليات التوظيف على المدى القصير.

نمو الأجور ومؤشراته الاقتصادية

أظهرت البيانات المتعلقة بمتوسط الأجور في بريطانيا نتائج متباينة، حيث ارتفعت الأجور باستثناء المكافآت بنسبة 5.9% خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في فبراير، وهو ما يُعد تباطؤًا طفيفًا مقارنة بالتوقعات البالغة 6%. كما تم تعديل بيانات الفترة السابقة (حتى يناير) إلى 5.8% بدلًا من 5.9%.

 

أما الأجور شاملة المكافآت فقد سجلت ارتفاعًا بنسبة 5.6%، لكنها جاءت دون التوقعات التي أشارت إلى نمو بنسبة 5.7%. وعلى الرغم من تباطؤ نمو الأجور، لا يُتوقع أن تؤثر هذه البيانات بشكل جوهري على توجهات بنك إنجلترا بشأن السياسة النقدية، حيث لا تزال الأسواق تتوقع خفضًا تدريجيًا لأسعار الفائدة خلال اجتماع مايو المقبل.

ترقب لبيانات التضخم وتوقعات الفائدة

ينتظر المستثمرون بيانات مؤشر أسعار المستهلك (CPI) لشهر مارس، والتي ستصدر يوم الأربعاء وتُعد هذه البيانات حاسمة لتحديد المسار المستقبلي لأسعار الفائدة في المملكة المتحدة.

 

وتشير التوقعات إلى أن مؤشر أسعار المستهلك الأساسي  الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة سيرتفع بنسبة 3.5%، وهو معدل يعتبر مرتفعًا نسبيًا ويعزز من احتمالية تمسك بنك إنجلترا بموقف حذر قبل خفض الفائدة.

الدولار تحت الضغط وسط قرارات تجارية أمريكية

ساهم تراجع الثقة في الدولار الأمريكي بدعم ارتفاع الجنيه الإسترليني، حيث فقد المستثمرون بعضًا من جاذبيتهم نحو العملة الأمريكية نتيجة السياسات التجارية المتقلبة التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقد شهد مؤشر الدولار الأمريكي، الذي يقيس أداء الدولار أمام سلة من ست عملات رئيسية، تراجعًا ملموسًا ليقترب من أدنى مستوياته في ثلاث سنوات عند 99.00 نقطة.

إعفاءات جمركية أمريكية تعزز مناخ الأسواق الإيجابي

بدأت الأسواق العالمية تداولات الأسبوع على وقع أجواء من التفاؤل بعد إعلان إدارة ترامب عن إعفاءات مؤقتة من الرسوم الجمركية على عدد من القطاعات الحساسة. فقد أصدرت هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية تعليمات جديدة مساء الجمعة 11 أبريل 2025 تقضي بإعفاء الهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر، وبعض المكونات الإلكترونية مثل أشباه الموصلات من الرسوم العقابية.

 

وقبل هذا الإعلان، كشف الرئيس الأمريكي عن قرار استراتيجي يقضي بتعليق الرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا على معظم الدول، في خطوة فسّرها المحللون بأنها محاولة لتهدئة الأسواق وفتح المجال أمام تسويات تفاوضية محتملة لتخفيف التوترات التجارية المتصاعدة.

السياسة النقدية البريطانية: مراجعة مستمرة للتوقعات

في ظل تراجع مخاوف الركود العالمي وتحسن الأداء الاقتصادي العام، انخفضت الضغوط على البنوك المركزية لاتخاذ خطوات إضافية نحو التيسير النقدي. وفي المملكة المتحدة، زادت التكهنات حول إمكانية تبني الحكومة لسياسات مالية أكثر تشددًا، مع التمسك الصارم من قبل وزيرة الخزانة راشيل ريفز بمجموعة من القواعد المالية الهادفة إلى تقليص العجز.

 

وقد انعكس هذا التوجه المالي على توقعات الأسواق بشأن مسار أسعار الفائدة، حيث تراجع احتمال خفض بنك إنجلترا لسعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع مايو من 75% إلى 55% فقط، مما يدل على إعادة تسعير تدريجية للتوقعات في ضوء المستجدات الاقتصادية.

 

خلاصة

يُظهر الجنيه الإسترليني أداءً قويًا مدعومًا بعوامل داخلية وخارجية، منها بيانات سوق العمل الإيجابية، والسياسات الضريبية الحكومية، إضافة إلى التطورات الدولية مثل قرارات السياسة التجارية الأمريكية. ويُنتظر أن تحدد البيانات المرتقبة للتضخم في المملكة المتحدة المسار المستقبلي للسياسة النقدية، مما يجعل الفترة القادمة حاسمة في تحديد اتجاهات العملة البريطانية وأسواق المال بشكل عام.

تم التحديث في: الثلاثاء, 15 نيسان 2025 10:47
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول