سعر صرف اليورو يسجل أعلى مستوى له منذ أربعة شهور وأفضل أداء أسبوعي منذ 2009
شهد اليورو أقوى أداء أسبوعي له منذ 16 عامًا، حيث ارتفع بنسبة تقارب 5% وسط تفاؤل المستثمرين بالإجراءات المالية الجديدة التي أعلنت عنها ألمانيا. هذه القفزة جاءت بعد تعهد الحكومة الألمانية بزيادة ضخمة في الإنفاق على الدفاع والبنية التحتية، مما دفع المتداولين إلى توقع مسار صعودي قوي للعملة الأوروبية.
هذا التغير في السياسات المالية شكل تحولًا رئيسيًا في النظرة إلى الاقتصاد الأوروبي، وأثار توقعات بمستقبل أقوى لليورو مقابل الدولار.
أداء اليورو في الأسواق المالية
ارتفع سعر صرف اليورو مقابل الدولار الأمريكي يوم الجمعة بنسبة 0.8% ليصل إلى 1.0871 دولار، مسجلًا أعلى مستوى له منذ أربعة أشهر. وعلى مدار الأسبوع، سجلت العملة الموحدة ارتفاعًا إجماليًا يقارب 5%، مما يمثل أكبر مكاسب أسبوعية منذ عام 2009.
إلى جانب ذلك، شهدت الأسواق المالية ارتفاعًا ملحوظًا في حجم تداول عقود خيارات اليورو مقابل الدولار، حيث وصلت إلى مستوى قياسي يوم الأربعاء. ووفقًا للبيانات الصادرة عن شركة "ديبوزيتوري ترست آند كليرينغ" (Depository Trust & Clearing)، شكلت الرهانات على صعود اليورو 70% من إجمالي الطلب خلال الأسبوع، مقارنةً بمتوسط تجاوز بالكاد 50% خلال فبراير الماضي.
هذا يعكس تحسن ثقة المستثمرين في العملة الأوروبية وسط التغييرات الاقتصادية الجارية.
لماذا ارتفع اليورو بهذا الشكل؟
1. التحول الجذري في السياسة المالية الألمانية
يعد إعلان ألمانيا عن زيادة ضخمة في الإنفاق الحكومي تحولًا استراتيجيًا كبيرًا بعد عقود من ضبط المالية العامة. هذا التغيير يعني أن الاقتصاد الألماني سيتلقى دعمًا ماليًا واسعًا، ما قد يؤدي إلى تحفيز النمو الاقتصادي وتقليل الحاجة إلى إجراءات تيسير نقدي إضافية من البنك المركزي الأوروبي.
وفقًا لمحللين في "براون برذرز هاريمان" (Brown Brothers Harriman)، فإن هذا الإعلان يشير إلى احتمالية توقف البنك المركزي عن خفض أسعار الفائدة في المستقبل القريب، مما يعزز جاذبية اليورو.
2. توقعات بنوك الاستثمار بشأن صعود اليورو
رفع "بنك أوف أميركا" توقعاته بشأن أداء اليورو، متوقعًا أن تصل العملة الأوروبية إلى 1.15 دولار بحلول نهاية العام، مما يعكس تحسن النظرة المستقبلية لليورو. وأشار المحلل ميكاليس روساكيس من البنك إلى أن "الإعلان عن الحزمة المالية الألمانية يمثل لحظة فارقة لليورو"، مؤكدًا أن الضبابية السياسية في الولايات المتحدة قد تدفع المستثمرين نحو الأصول الأوروبية.
تفاؤل المستثمرين ينعكس على عقود الخيارات
شهدت معنويات المستثمرين تجاه عقود الخيارات قصيرة الأجل لليورو تحولًا إيجابيًا كبيرًا، حيث وصلت مستويات التفاؤل إلى أعلى درجة لها منذ نصف عقد. في الوقت ذاته، تراجع مستوى التشاؤم تجاه العملة الأوروبية إلى أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات، مما يشير إلى أن المتداولين باتوا أكثر ثقة في استمرار صعود اليورو.
1. ازدياد رهانات صناديق التحوط
بعد الإعلان عن الحزمة المالية الألمانية، أضافت صناديق التحوط مزيدًا من عقود الخيارات التي تراهن على ارتفاع اليورو إلى 1.2 دولار بنهاية العام الجاري. وأظهرت بيانات شركة "دي تي سي سي" (DTCC) زيادة كبيرة في الطلب على عقود الخيارات بسعر تنفيذ عند 1.10 دولار، كما تم تداول عقود تستهدف مستويات 1.12 و1.15 دولار.
وبدأ المتداولون أيضًا بالمراهنة على تجاوز مستوى 1.20 دولار خلال العام المقبل، مما يعكس ثقة متزايدة في استمرار الاتجاه الصعودي لليورو.
2. تحليلات الخبراء للأسواق
وفقًا لكايل رودا، كبير محللي الأسواق المالية لدى "كابيتال دوت كوم"، فإن الأسواق الأوروبية شهدت تحركات لافتة بعد إعلان الحكومة الألمانية عن استخدام ميزانيتها العمومية بشكل واسع لدعم الاقتصاد.
وأضاف أن "السياسة التجارية الأميركية لا تزال تشكل أكبر مصدر لعدم اليقين في الأسواق، لكن إعفاء السيارات الأوروبية من الرسوم الجمركية عزز الآمال بأن العلاقات التجارية لن تتدهور على الأقل".
هل يستمر صعود اليورو؟
يرى كينيث بروكس، رئيس قسم أبحاث الشركات والأسعار في "سوسيتيه جنرال"، أن هذا الأسبوع يمثل نقطة تحول مهمة في مسار اليورو، حيث بدأت الأسواق في تبني نهج جديد بعد عامين من النمو القوي للدولار.
وأضاف بروكس: "نحن الآن في مرحلة حيث يشتري المستثمرون الانخفاضات في سعر اليورو مقابل الدولار، وأعتقد أن بيانات الوظائف الأميركية اليوم قد تسرّع هذه الحركة نحو الأعلى. حتى لو جاءت بيانات التوظيف أقوى من المتوقع، فإن ذلك قد يبطئ ارتفاع اليورو ولكنه لن يوقفه تمامًا."
دور البنك المركزي الأوروبي وعائدات السندات
أسهمت سياسة خفض أسعار الفائدة التي تبناها البنك المركزي الأوروبي، إلى جانب ارتفاع عائدات السندات الأوروبية المدعومة بخطط الإنفاق الألمانية، في دعم العملة الموحدة. وفي هذا السياق، قام "بنك أوف أميركا غلوبال ريسيرش" برفع توقعاته لسعر صرف اليورو في نهاية العام إلى 1.15 دولار، بعدما كانت التوقعات السابقة عند 1.10 دولار.
ختامًا: هل يشهد اليورو تحولًا طويل الأمد؟
يبدو أن اليورو يدخل مرحلة جديدة من القوة مع التحولات المالية والسياسية في منطقة اليورو. ومع تزايد ثقة المستثمرين، يطرح السؤال: هل سيستمر هذا الزخم الصعودي خلال الأشهر القادمة، أم أن عوامل جديدة قد تؤدي إلى تغيير الاتجاه؟ الأيام القادمة ستكشف المزيد عن مستقبل العملة الأوروبية وسط التغيرات الاقتصادية العالمية.