التاريخ: الاثنين, 09 كانون الأول 2024
منذ اندلاع الثورة السورية أصبح نظام حكم المجرم بشار الأسد محوراً لواحدة من أكثر الحروب دموية وتعقيداً في العصر الحديث، حيث خلّف نزاعه مع المعارضة السورية دماراً هائلاً شمل مختلف جوانب الحياة في البلاد لم تقتصر نتائج سياسات النظام على قمع الاحتجاجات السلمية التي طالبت بالإصلاح والتغيير فحسب، بل تحوّلت إلى صراع دموي استخدمت فيه القوة المفرطة، مما أدى إلى تداعيات كارثية على سوريا وشعبها.
السياسات القمعية والتدميرية التي انتهجها نظام بشار الأسد أدت إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث تركت سوريا في حالة من الخراب الاقتصادي والاجتماعي ورغم انتهاء معظم العمليات العسكرية، إلا أن التحديات الهائلة التي تواجه إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي ما زالت تتطلب جهوداً ضخمة، وإرادة جماعية من السوريين والمجتمع الدولي لإنقاذ البلاد من تداعيات هذه الكارثة.
تدمير البنية التحتية في سوريا
منذ بداية النزاع، استهدف النظام السوري المدن والبلدات بقصف جوي مكثف، واستخدام الأسلحة الثقيلة، ما أسفر عن تدمير واسع للمرافق الحيوية. شملت الأضرار:
- المدارس والمستشفيات: تم تدمير عدد كبير منها، مما أدى إلى انهيار النظام الصحي والتعليمي.
- شبكات المياه والكهرباء: تعطلت معظم هذه الخدمات الأساسية، مما جعل الحياة اليومية للمواطنين شبه مستحيلة.
- الطرق والمرافق العامة: دُمّرت البنية التحتية للنقل والخدمات العامة، مما زاد من عزلة المدن والمناطق الريفية.
انهيار الاقتصاد السوري
السياسات القمعية والفساد، إلى جانب الكلفة الاقتصادية الباهظة للحرب، أدت إلى:
- انكماش الناتج المحلي الإجمالي: تراجع الاقتصاد السوري إلى مستويات غير مسبوقة، مع انهيار القطاعات الإنتاجية الرئيسية.
- ارتفاع معدلات الفقر والبطالة: يعيش معظم السوريين اليوم تحت خط الفقر، في ظل غياب فرص العمل والمساعدات الكافية.
- هروب رأس المال: فرار المستثمرين ورؤوس الأموال بسبب عدم الاستقرار الأمني والسياسي.
تشريد وقتل ملايين السوريين
سياسات القمع واستخدام الأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة تسببت في خسائر بشرية هائلة:
- الضحايا: قدرت أعداد القتلى بمئات الآلاف، بينهم نساء وأطفال، مع إصابة الملايين بجروح.
- اللاجئون والنازحون: نزح أكثر من نصف سكان سوريا داخلياً وخارجياً، حيث يعيش الملايين في مخيمات تعاني من نقص الخدمات الأساسية.
- الأضرار الاجتماعية: تفكك النسيج الاجتماعي للسوريين نتيجة العنف والانقسامات الطائفية والسياسية.
البنية التحتية المدمرة في سوريا
خلال سنوات الحرب، تعرضت معظم مدن سوريا الكبرى، إلى جانب العديد من المناطق الريفية، لأضرار جسيمة أثرت بشكل مباشر على الحياة اليومية للسكان. أبرز مظاهر الدمار تشمل:
-
المباني السكنية والتجارية:
آلاف المباني السكنية أصبحت غير صالحة للسكن، ما أدى إلى نزوح ملايين الأشخاص داخليًا وخارجيًا.
-
المرافق الصحية والتعليمية:
- أكثر من نصف المستشفيات والمراكز الصحية خرجت عن الخدمة أو تعرضت لأضرار كبيرة.
- تدمير المدارس أثر على النظام التعليمي، مما جعل أجيالاً كاملة محرومة من التعليم.
-
البنية التحتية للخدمات الأساسية:
- شبكات المياه والكهرباء تضررت بشكل كبير، مما أدى إلى انقطاع الخدمات لفترات طويلة في العديد من المناطق.
- الطرق والجسور المدمرة أعاقت التنقل والتجارة الداخلية والخارجية.
وفقًا لدراسة صادرة عن البنك الدولي، فإن 51% من الأصول المتعلقة بالمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية تعرضت لتراجع كبير في الأداء، مع توقف 11% منها عن العمل تمامًا.
تكلفة إعادة إعمارسوريا
أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أن “سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد فرصة لتغيير تاريخي بالشرق الأوسط”.
وأكدت “أننا سنسهم في إعادة إعمار سوريا تحمي الجميع”
وبحسب وزير الاقتصاد والتجارة السوري الأسبق، نضال الشعار "عجلة الاقتصاد السوري جاهزة للدوران وبدء الإنتاج شرط استتباب الأمن، وتوفر بيئة يتوفر فيها الالتحام بين مكونات الشعب بكل أطيافه، والإحساس بأن الأفق واعد"
وأضاف في مقابلة مع "الشرق" أن الاقتصاد السوري قادر على التعافي لأن أسس الإنتاج والتصنيع لا تزال قائمة، فالعمالة والمصانع والآلات والخبرة موجودة، والمستثمرون على استعداد للعودة والاستثمار فور توفر الظروف الملائمة.
الشعار نوّه بأن ترتيب الأوضاع يجب أن يبدأ من الداخل ومن ثم يتم الحصول على دعم خارجي، ورأى أن هناك إرادة دولية لوضع سوريا على المسار الصحيح الكفيل بتعافي اقتصادها.
تقديرات متباينة حول تكلفة إعادة إعمار سوريا
-
تقديرات دولية:
- تقرير البنك الدولي في 2022 قدر الأضرار بـ8.7 إلى 11.4 مليار دولار في المدن والقطاعات التي تم تقييمها.
-
وفي عام 2018، أشار مسؤول أممي إلى أن سوريا تحتاج إلى حوالي 300 مليار دولار لإعادة الإعمار، بينما في ديسمبر 2021، ذكر المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف تقديرات تفوق ذلك بكثير، حيث قدرت تكلفة إعادة الإعمار بـ 800 مليار دولار، أما الأمين العام لجامعة الدول العربية، فقد قدرها بنحو 900 مليار دولار.
-
التقديرات طويلة المدى:
تشير توقعات حديثة إلى أن التكلفة قد تتجاوز تريليون دولار، مع الأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات طويلة الأمد واستمرار التدهور في بعض المناطق.
-
التحديات الزمنية:
قد تستغرق عملية الإعمار أكثر من عقد كامل، خاصة إذا لم يتم تحقيق استقرار سياسي وأمني شامل.
التحديات الأساسية أمام إعادة الإعمار
1. الدمار الشامل للبنية التحتية
- تضرر القطاعات الحيوية مثل النقل، المياه، الكهرباء، والمرافق الصحية يجعل من عملية الإعمار تحديًا كبيرًا.
- تعطل شبكات النقل أدى إلى عزل المناطق الريفية عن الحضرية، مما زاد من صعوبة توزيع المساعدات وإعادة البناء.
2. نقص الموارد المالية
- الاقتصاد السوري يعاني من انهيار كبير، حيث ارتفعت معدلات البطالة والفقر إلى مستويات غير مسبوقة.
- تعتمد سوريا بشكل كبير على الدعم الدولي لتمويل عملية الإعمار.
3. تحديات اجتماعية واقتصادية
- تفاقم معاناة السكان بسبب نقص الخدمات الأساسية، مثل المياه النظيفة والكهرباء.
- عودة النازحين واللاجئين تحتاج إلى خطط مدروسة لتوفير السكن والعمل والخدمات الصحية والتعليمية.
فرص التعافي وإعادة البناء
رغم صعوبة الوضع، هناك إمكانيات لتعافي سوريا إذا تم اعتماد استراتيجيات فعّالة، ومنها:
1. تعزيز التعاون الإقليمي والدولي
- يمكن للدول المجاورة أن تلعب دورًا مهمًا من خلال التجارة والاستثمارات المشتركة.
- تحسين المعابر الحدودية يسهم في تسهيل التبادل الاقتصادي وزيادة النشاط التجاري.
2. الاستثمار في القطاعات الحيوية
- الزراعة: إعادة تأهيل الأراضي الزراعية لتعزيز الأمن الغذائي وتوفير فرص عمل.
- الصناعة: تشجيع إعادة فتح المصانع وتعزيز الإنتاج المحلي.
3. جذب الاستثمارات الأجنبية
- الاستقرار الأمني والسياسي سيكون العامل الأساسي لجذب الاستثمارات الحيوية.
- تقديم حوافز ضريبية واستثمارية للمستثمرين الأجانب والمحليين.
4. خطط إعمار مستدامة
- تنفيذ مشروعات تعيد بناء البنية التحتية بشكل أكثر حداثة وفعالية.
- اعتماد تقنيات جديدة لضمان استدامة الخدمات الأساسية، مثل الطاقة المتجددة.
رؤية الخبراء حول إعادة الإعمار
تصريحات الدكتور علي الإدريسي:
- يشير إلى أن إعادة الإعمار تتطلب استراتيجيات متكاملة تشمل إعادة تأهيل البنية التحتية واستقرار الأمن.
- يشدد على أهمية توجيه الدعم الدولي نحو القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة.
رؤية محمد ربيع الديهي:
- يرى أن تكلفة إعادة الإعمار قد تصل إلى تريليون دولار، مع مدة زمنية قد تتجاوز 10 سنوات.
- يركز على أهمية التوصل إلى رؤية شاملة للتعامل مع العملية بالتوازي مع حل سياسي شامل.
إعادة إعمار سوريا تمثل تحديًا هائلًا، لكنها أيضًا فرصة لإعادة بناء الوطن وتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي بعد سنوات من الدمار تحتاج هذه العملية إلى رؤية موحدة، تعاون دولي، والتزام طويل الأمد لتحقيق مستقبل أفضل للشعب السوري .