سجلت أسعار النحاس ارتفاعًا ملحوظًا خلال تعاملات الخميس، متجاوزة حاجز 10,000 دولار للطن، وسط مخاوف متزايدة من فرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية جديدة على هذا المعدن الاستراتيجي، وفقًا لما كشفته مصادر مطلعة على سياسات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ارتفعت أسعار النحاس فوق حاجز 10 آلاف دولار للطن في بورصة لندن للمعادن للمرة الأولى منذ أكتوبر، مع تسارع المشترين في الولايات المتحدة لاستيراد المعدن الصناعي الرئيسي قبل فرض رسوم جمركية محتملة.
منذ بداية العام، ارتفعت أسعار النحاس بنسبة 14% في بورصة لندن، مقارنةً بقفزة 26% في العقود الآجلة للنحاس في نيويورك، والتي تقترب من مستوى قياسي. وحفّز هذا الفارق في الأسعار التجار والمنتجين لتحويل الإمدادات إلى الولايات المتحدة قبل فرض أي رسوم جمركية.
يأتي هذا الارتفاع بعد أن أمر "ترامب" وزارة التجارة الأمريكية في فبراير بفتح تحقيق حول واردات النحاس، ما أثار تكهنات بإمكانية فرض تعريفات جمركية قد تؤثر بشكل كبير على تدفقات التجارة العالمية. ووفقًا لتوقعات كل من "جولدمان ساكس" و"سيتي جروب"، فإن الولايات المتحدة قد تفرض رسومًا جمركية بنسبة 25% على واردات النحاس بحلول نهاية عام 2025.
في ظل هذه التطورات، قفز سعر النحاس في بورصة لندن للمعادن إلى 10,046.5 دولار للطن، وهو أعلى مستوى له منذ أكتوبر، في حين لامست الأسعار في بورصة كومكس الأمريكية مستويات قياسية تاريخية، مما عزز مكاسب المعدن الأحمر منذ بداية العام لتصل إلى 27%.
هل لا يزال النحاس مؤشرًا اقتصاديًا موثوقًا؟
منذ مطلع عام 2025، ارتفعت أسعار النحاس بأكثر من 23%، مدفوعة بعدة عوامل من بينها تصاعد المخاطر التجارية العالمية، وهو ما يدفع بعض المحللين إلى التساؤل حول مدى قدرة المعدن الأحمر على الاحتفاظ بدوره كمؤشر يعكس صحة الاقتصاد العالمي.
أهمية النحاس ودوره في الاقتصاد العالمي
يُعد النحاس من أهم المعادن الصناعية، حيث يدخل في العديد من الصناعات الحيوية مثل البناء، الإلكترونيات، السيارات والطاقة المتجددة، وهو ما يجعله عادةً مؤشرًا لحجم النشاط الاقتصادي العالمي.
تقليديًا، يُنظر إلى ارتفاع أسعاره على أنه دلالة على انتعاش الاقتصاد وارتفاع الطلب الصناعي، لكن في الفترة الأخيرة، لم يكن الطلب وحده هو المحرك الرئيسي لهذه القفزة السعرية، بل لعبت المخاطر الجيوسياسية والسياسات التجارية دورًا حاسمًا في تحديد اتجاه السوق.
ترامب يشعل فتيل الأزمة الجمركية
رغم أن النحاس كان معفيًا من الرسوم الجمركية في منطقة أمريكا الشمالية بموجب اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، إلا أن إدارة "ترامب" اتخذت خطوة مفاجئة الشهر الماضي عبر توجيه وزارة التجارة الأمريكية بالتحقيق فيما إذا كانت واردات النحاس تشكل تهديدًا للأمن القومي.
ترافق ذلك مع مقترحات بفرض رسوم جمركية أو قيود تصدير أو حتى حوافز لزيادة الإنتاج المحلي، وهي إجراءات قد تعيد تشكيل توازن العرض والطلب في الأسواق العالمية.
شح المعروض في السوق الأمريكية يرفع الأسعار عالميًا
أثارت هذه التهديدات الجمركية مخاوف حادة من نقص المعروض في الولايات المتحدة، مما دفع أسعار النحاس للارتفاع بشكل ملحوظ في السوق المحلية. في محاولة لتجنب هذه الأزمة، لجأت الشركات الأمريكية إلى تحويل المخزونات من بورصة لندن للمعادن إلى الولايات المتحدة، وهو ما أدى إلى انخفاض المخزون العالمي المتاح وارتفاع الأسعار عالميًا.
الولايات المتحدة تعتمد على الواردات.. فكيف ستتأثر السوق؟
تستورد الولايات المتحدة حوالي 45% من احتياجاتها من النحاس، مما يجعلها معتمدة بشكل كبير على الأسواق الخارجية. وبالتالي، فإن فرض رسوم جمركية على النحاس قد يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج للشركات الأمريكية، مما ينعكس في ارتفاع الأسعار النهائية للمنتجات التي تعتمد على المعدن الأحمر.
هل فقد النحاس مكانته كمؤشر على صحة الاقتصاد؟
بحسب المحللة ناتالي سكوت-غراي من "ستون إكس"، فإن ارتفاع أسعار النحاس لم يعد يعكس بدقة أداء الاقتصاد العالمي على المدى القصير، خاصة في ظل الحرب التجارية الأمريكية. لكنها تؤكد أنه يظل مؤشرًا موثوقًا على المدى الطويل، إذ تعكس أسعاره في بورصة لندن آفاق النشاط الصناعي العالمي.
دور الدولار في تحركات النحاس
من العوامل الأخرى التي ساهمت في ارتفاع أسعار النحاس مؤخرًا ضعف الدولار الأمريكي، وهو ما يجعل المعادن المقومة به أرخص لحائزي العملات الأخرى، ما يدعم الطلب عليها.
في المقابل، يرى المحلل تشارل مالان من "فان إيك" أن التأثيرات على العرض والطلب كانت المحرك الأساسي لهذه الموجة الصعودية، لكنه أشار إلى أن تكاليف التكرير والمعالجة تراجعت، ما قد يحدّ من استمرار هذا الاتجاه الصاعد لفترة طويلة.
المضاربون ما زالوا مترددين
رغم هذه القفزة في الأسعار، فإن بيانات بورصة "كومكس" تُظهر أن مراكز المضاربة على النحاس لا تزال عند مستويات محايدة نسبيًا، حيث بلغ الفارق بين مراكز الشراء والبيع للمتداولين غير التجار 14,216 مركزًا فقط، مقارنة بأكثر من 75 ألف مركز في مايو الماضي هذا يعكس حذر المستثمرين بشأن التداعيات المحتملة للرسوم الجمركية على الاقتصاد العالمي.
خاتمة: إلى أين تتجه أسعار النحاس؟
لا شك أن التهديدات الجمركية التي أطلقها دونالد ترامب لعبت دورًا رئيسيًا في ارتفاع أسعار النحاس منذ بداية العام، إلا أن السؤال الأهم الذي يواجه الأسواق حاليًا هو: هل سيستمر هذا الاتجاه الصعودي، أم أن التصعيد التجاري سيؤدي إلى تباطؤ الطلب في المستقبل؟
بين المخاوف التجارية، شح المعروض، واضطرابات سلاسل التوريد، يظل النحاس في قلب معادلة اقتصادية معقدة، حيث تتداخل السياسات الحكومية، التوقعات الاستثمارية، والعوامل السوقية في تحديد وجهته خلال الأشهر المقبلة.
