ماقصة تغيير العملة في سوريا عقب سقوط نظام الأسد .. وكيف تتم عملية استبدال العملات المحلية ؟
برزت مسألة استبدال العملات المحلية في عدد من الدول التي تواجه صراعات سياسية وأزمات اقتصادية كبرى، خاصة تلك التي تعاني من تضخم مرتفع وانخفاض حاد في قيمة عملتها.
سوريا تعد مثالًا بارزًا على ذلك، حيث طرحت مطالبات بتغيير العملة عقب سقوط نظام بشار الأسد كخطوة للتخلص من رموز النظام السابق وتحقيق استقرار اقتصادي.
لكن عملية إصدار عملة جديدة ليست مجرد تغيير في الشكل؛ فهي خطوة استراتيجية تتطلب إعدادًا دقيقًا وتنفيذًا متقنًا لتجنب آثار اقتصادية سلبية طويلة الأمد.
الوضع الراهن للعملة السورية
أكد مصرف سوريا المركزي بعد سقوط نظام بشار الأسد أن العملة الرسمية للتداول في البلاد هي الليرة السورية بجميع فئاتها، مشددًا على عدم سحب أي فئة من التداول ورغم هذا التأكيد، فإن ضعف العملة وتدهور قيمتها نتيجة الأزمات المتراكمة زاد من الضغط الشعبي لإصدار عملة جديدة تعكس مرحلة سياسية واقتصادية جديدة عقب سقوط نظام بشار الأسد والتخلص من رموز النظام السابق .
الخيارات المتاحة لتغيير العملة
1. تحديث الأوراق النقدية
يمكن للبنك المركزي الإبقاء على العملة الحالية مع تغيير تصميم الأوراق النقدية، وهو إجراء أقل تعقيدًا نسبيًا. مثال على ذلك، بنك السودان المركزي الذي قام مؤخرًا بتغيير تصميم أوراق فئتي 500 و1000 جنيه لمواجهة التزوير وتعزيز الثقة.
2. إصدار عملة جديدة
يتضمن إصدار عملة جديدة استبدال العملة القديمة بالكامل بعملة جديدة تحمل اسمًا وقيمة مختلفين. هذه الخطوة قد تترافق مع تعديل سعر الصرف وإعادة هيكلة النظام النقدي، مما يتطلب تخطيطًا دقيقًا لضمان نجاح العملية.
تحديات إصدار عملة جديدة
1. الاستقلال النقدي
وفقًا لدراسة صندوق النقد الدولي، فإن إصدار عملة جديدة يحتاج إلى استقرار مالي وسياسات اقتصادية سليمة. الفشل في تحقيق هذه الشروط قد يؤدي إلى فقدان الثقة في العملة الجديدة، وهو أمر مكلف جدًا من حيث الوقت والموارد لاستعادته.
2. الموارد الاحتياطية
تعتمد قدرة البنك المركزي على دعم العملة الجديدة على حجم احتياطياته من العملات الأجنبية (مثل الدولار) والذهب في الحالة السورية، لم تُنشر بيانات عن الاحتياطي النقدي منذ أكثر من عقد. آخر التقديرات في 2010 أشارت إلى وجود 18.5 مليار دولار و25.8 طنًا من الذهب لكن غياب بيانات محدثة يزيد من صعوبة التنبؤ بقدرة البنك المركزي على دعم العملة الجديدة.
قد يهمك : أبرز جوانب الانهيار الاقتصادي في سوريا والقطاعات الأكثر تأثرًا بالحرب
خطوات إصدار العملة الجديدة
1. التحضير والإعداد
-
تحديد سلطة الإصدار: يجب أن يتمتع البنك المركزي بسلطة حصرية لإصدار العملة الجديدة ومراقبة الكميات المصدرة كما يختار البنك نظام سعر الصرف المناسب، سواء كان مربوطًا بعملة أجنبية (مثل الدولار) أو يعتمد على العرض والطلب (نظام التعويم).
-
اختيار نظام سعر الصرف:
-
النظام المربوط: تُربط العملة بعملة قوية مثل الدولار، ما يساهم في تحقيق استقرار نقدي.
-
النظام المعوّم: يترك تحديد سعر الصرف للعرض والطلب، مما يعكس أداء الاقتصاد المحلي.
-
التعويم المدار: يجمع بين النظامين السابقين، حيث تتدخل السلطات في السوق لتقليل التقلبات الكبيرة.
-
2. إصدار العملة
-
تقييم العملة: لتسهيل عملية التحول، يُفضل استخدام نسبة تحويل بسيطة مثل إزالة أصفار من العملة القديمة.
-
تصميم الأوراق النقدية: يجب أن تكون الأوراق النقدية سهلة التمييز وعالية الأمان ضد التزوير يتضمن التصميم ألوانًا مميزة لكل فئة وأرقامًا كبيرة لتسهيل القراءة.
-
تحديد الكميات المطبوعة: يتم تقدير الكمية المطلوبة من العملة الجديدة بناءً على حجم النقد المتداول حاليًا مع إضافة احتياطي لتلبية الطلب المستقبلي.
3. إطلاق العملة
-
الإعلان الرسمي:
-
يصدر إعلان يوضح تفاصيل التحويل، بما في ذلك كيفية استبدال العملة القديمة والجديدة.
-
يحدد الإعلان فترة زمنية يتم خلالها قبول العملتين معًا لتخفيف الضغط على السكان.
-
-
التعامل مع غير المقيمين: لتجنب تدفقات نقدية غير مرغوب فيها، يتم وضع قيود على تحويل العملة القديمة من قبل غير المقيمين.
4. إدارة العمليات النقدية
-
تنظيم سوق الصرف: يجب أن يتم تنظيم سوق الصرف الأجنبي لضمان كفاءة توزيع النقد الأجنبي.
-
إدارة الاحتياطيات الدولية: يعتمد استقرار العملة الجديدة على مدى كفاءة البنك المركزي في إدارة احتياطياته من العملات الأجنبية والذهب.
عملية استبدال العملة
- إطلاق العملة: يحتاج الناس إلى معرفة كيفية استبدال الأوراق النقدية القديمة والودائع والكوبونات بأوراق نقدية وودائع جديدة أثناء التحويل، وعادة يصدر إعلان يشرح كيفية تحويل المقيمين وغير المقيمين للأوراق النقدية والكوبونات وكيفية التعامل مع أي حيازات من الأوراق النقدية تتجاوز المبلغ الذي يمكن تحويله ويصف الإعلان كيفية تحويل الودائع والالتزامات بالعملة القديمة، فضلا عن الأصول المالية غير المصرفية والمطلوبات والعقود الأخرى، ويسرد اللوائح التي تحكم المعاملات بالعملة القديمة والعملات الأجنبية الأخرى أثناء وبعد فترة التحويل.
يمكن استخدام الفترة بين الإعلان وتقديم العملة الجديدة لشرح عملية التحويل للأشخاص والمؤسسات، وخلال هذه الفترة، يجوز للجمهور إيداع أي حيازات نقدية إضافية في حسابات لدى البنوك، مما يخفف الضغط على البنوك أثناء التحويل الفعلي.
- الإنفاق خلال التحويل: تصبح العملة الجديدة قانونية اعتبارا من اليوم الأول لفترة التحويل، ومن شأن السماح باستخدام كل من العملة القديمة والجديدة أثناء التحويل أن يقلل من الضغوط على السكان للتخلص من أوراقهم النقدية القديمة ويُسمح للمحلات التجارية بالمساعدة في عملية التحويل من خلال استبدال الأوراق النقدية القديمة بأوراق نقدية جديدة.
- الحد من تدفقات العملة القديمة: قد تشعر السلطات بالقلق إزاء تدفقات الأوراق النقدية القديمة من غير المقيمين الذين يشترون السلع خلال فترة التحويل، لتجنب التدفقات الكبيرة، لا تسمح الحكومات عادة إلا للمقيمين الذين تجاوزوا سنًا معينة بالتحويل، ولا يُسمح لغير المقيمين بشراء أوراق نقدية جديدة، باستثناء السياح، الذين يُسمح لهم عادة بتغيير مبلغ محدود.
- القروض والودائع المصرفية: يتم تحويل القروض والودائع المصرفية المحلية (للمقيمين وغير المقيمين) المقومة بالعملة القديمة إلى عملة جديدة في اليوم الأول من فترة التحويل. ويتم تغطية المقيمين وغير المقيمين على حد سواء، وعادة ما يتم منح المودعين الراغبين في الاحتفاظ بودائعهم المقومة بالعملة القديمة الفرصة للقيام بذلك من خلال طلب سدادها بأوراق نقدية من العملة القديمة في غضون فترة قصيرة بسعر التحويل الرسمي. (يمكن للبنك المركزي أو الحكومة توفير العملة من الأوراق النقدية القديمة المكتسبة أثناء التحويل).
- العقود المالية بالعملة القديمة: يجب تحويل جميع العقود المالية بين المقيمين والتي يتم التعبير عنها بالعملة القديمة إلى شروط عملة جديدة، يمكن أن تظل العقود بين المقيم وغير المقيم في البلد الذي يخضع للتحويل مقومة بالعملة القديمة.
القوانين الداعمة لاصدار عملة جديدة
تتطلب عملية إصدار العملة الجديدة وضع إطار قانوني يدعم:
-
منح العملة الجديدة صفة قانونية.
-
تنظيم عمليات الصرف الأجنبي.
-
تحديد كيفية التعامل مع الأصول المالية والعقود المقومة بالعملة القديمة.
-
صياغة لوائح تدير عملية استبدال العملة وضمان سلاسة التنفيذ.
قد يهمك : تكلفة إعادة إعمار سوريا.. بين التحديات الاقتصادية والدمار الهائل وأرقام تتجاوز التوقعات
الأسباب التي تدفع الدول لتغيير عملاتها
1. الانفصال عن تحالف نقدي كما حدث بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، عندما احتاجت الدول المستقلة إلى إصدار عملات وطنية.
2. إصدار عملة موحدة إطلاق اليورو في الاتحاد الأوروبي مثال بارز على توحيد العملات لتعزيز التكامل الاقتصادي.
3. مكافحة التضخم في دول مثل زيمبابوي، استُبدلت العملة نتيجة انهيار قيمتها بفعل التضخم المفرط.
4. مواجهة التزوير كما في حالة السودان، تم استبدال العملات الورقية لمكافحة عمليات التزوير وضمان استقرار النظام النقدي.
خلاصة : يمثل استبدال العملات المحلية خطوة استراتيجية تستهدف تحقيق استقرار اقتصادي وتحسين الثقة بالنظام النقدي. ورغم التحديات، يمكن أن تسهم العملة الجديدة في تعزيز النمو الاقتصادي إذا تم التخطيط لها وتنفيذها بدقة تتطلب هذه العملية موارد مالية وبشرية قوية وإطارًا قانونيًا وتنظيميًا متينًا لضمان نجاحها.