العملات الآسيوية تشهد تراجعًا كبيرًا إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات مقابل الدولار الأمريكي

شهدت العملات الآسيوية الرئيسية، مثل الين الياباني، الوون الكوري الجنوبي، اليوان الصيني، والروبية الهندية، تراجعًا كبيرًا إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات مقابل الدولار الأمريكي، نتيجة للارتفاع المستمر في قيمة الدولار هذا الانخفاض في العملات الآسيوية أثار قلق الأسواق المالية والبنوك المركزية في المنطقة، خاصة مع التحديات الجديدة التي تلوح في الأفق.

تداعيات انخفاض العملات الآسيوية

رغم أن انخفاض قيمة العملة من الناحية النظرية يعزز الصادرات ويجعل المنتجات المحلية أكثر تنافسية في الأسواق الخارجية، إلا أن هناك تأثيرات سلبية يجب أخذها بعين الاعتبار. فعلى سبيل المثال، تعاني الدول الآسيوية من ضغوط التضخم المستورد، حيث يؤدي انخفاض قيمة العملة إلى ارتفاع تكاليف الاستيراد.

 

هذا الأمر دفع البنوك المركزية في آسيا إلى إعادة تقييم سياساتها النقدية لمحاولة احتواء التضخم وتجنب المضاربات المفرطة التي قد تؤدي إلى مزيد من الضعف في العملات.

دور فوز ترامب في صعود الدولار

منذ فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2024، شهد الدولار الأمريكي ارتفاعًا ملحوظًا بنسبة 5.39% مقارنة بمستوياته قبل الانتخابات. ويُعزى هذا الصعود إلى السياسات الاقتصادية التي وعد بها ترامب خلال حملته الانتخابية، مثل فرض تعريفات جمركية وتخفيضات ضريبية كبيرة، وهي سياسات يرى الخبراء أنها ستؤدي إلى زيادة معدلات التضخم.

مخاوف الاحتياطي الفيدرالي من السياسات الجديدة

خلال اجتماعهم في ديسمبر 2024، أعرب المسؤولون في بنك الاحتياطي الفيدرالي عن قلقهم من التضخم المحتمل والتأثيرات الاقتصادية المترتبة على سياسات ترامب. وقد أظهرت محاضر الاجتماع التي صدرت لاحقًا أن الفيدرالي يخطط لاتخاذ خطوات تدريجية بشأن أسعار الفائدة، مع الأخذ في الاعتبار حالة عدم اليقين السائدة.

فجوة العوائد بين السندات الأمريكية والآسيوية

ساهمت التوقعات المتزايدة برفع أسعار الفائدة الأمريكية في توسيع الفجوة بين عوائد السندات الأمريكية ونظيراتها الآسيوية. وقد أدى هذا الفارق إلى تقليص جاذبية الأصول الآسيوية ذات العوائد المنخفضة، مما دفع العملات الآسيوية الرئيسية إلى التراجع بشكل ملحوظ. وردًّا على ذلك، تدخلت بعض البنوك المركزية، مثل بنك اليابان وبنك الاحتياطي الهندي، في السوق لمحاولة استقرار عملاتها.

تحديات البنوك المركزية الآسيوية

في هذا السياق، أوضح جيمس أوي، استراتيجي السوق في شركة الوساطة "تايجر بروكرز"، أن البنوك المركزية الآسيوية تواجه صعوبة في إدارة اقتصاداتها مع استمرار قوة الدولار. وذكر أوي في تصريحات لشبكة "سي إن بي سي" أن الدولار القوي يزيد من الضغوط التضخمية بسبب ارتفاع تكاليف الاستيراد، مما قد يدفع بعض البنوك المركزية إلى استنزاف احتياطياتها من النقد الأجنبي لدعم عملاتها.

 

وأضاف أوي: "إذا كانت الدولة تعاني من ارتفاع معدلات التضخم وتراجع العملة، فإن خفض أسعار الفائدة لتحفيز النمو الاقتصادي قد يأتي بنتائج عكسية، مما يزيد تعقيد الموقف الاقتصادي".

اليوان الصيني يسجل أدنى مستوى منذ 16 شهرًا

سجل اليوان الصيني في 7 يناير أدنى مستوى له منذ 16 شهرًا عند 7.3361 مقابل الدولار، متأثرًا بارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية وقوة الدولار. وعلى الرغم من أن هذا الضعف قد يجعل الصادرات الصينية أكثر تنافسية ويحفز النمو الاقتصادي، إلا أنه يحد أيضًا من قدرة بنك الشعب الصيني على خفض أسعار الفائدة دون المخاطرة بتدفقات رأس المال إلى الخارج.

الجهود الصينية لدعم الاقتصاد

منذ سبتمبر الماضي، تبذل الحكومة الصينية جهودًا كبيرة لدعم الاقتصاد من خلال مجموعة من التدابير التحفيزية، مثل خفض أسعار الفائدة ودعم أسواق الأسهم والعقارات. وفي محاولة لتعزيز الاستهلاك المحلي، وسعت الصين مخططها للتبادل التجاري بين المستهلكين من خلال تقديم حوافز مالية وترقيات المعدات.

 

ورغم هذه الجهود، أكدت لورين تان، مديرة أبحاث الأسهم في آسيا بشركة "مورنينج ستار"، أن زيادة الإنفاق المالي يجب أن تكون أولوية لدعم النمو الاقتصادي بشكل مستدام. وأوضحت تان أن التركيز على إصدار المزيد من السندات طويلة الأجل لتمويل الإنفاق الحكومي سيكون أكثر فاعلية من الاعتماد على السياسة النقدية وحدها.

تأثير تراجع اليوان على الاقتصادات الآسيوية الأخرى

من المتوقع أن يؤثر انخفاض اليوان بشكل سلبي على الاقتصادات الآسيوية الأخرى التي تعتمد على الصادرات أو تتنافس مع الصين في الأسواق العالمية، مثل كوريا الجنوبية وتايوان ودول جنوب شرق آسيا. وفي تقريرها السنوي لعام 2025، أشارت شركة "سيتي ويلث" إلى أن انخفاض قيمة العملة الصينية قد يؤدي إلى تآكل الحصة السوقية لهذه الدول في الأسواق العالمية.

 

الخلاصة : تواجه الاقتصادات الآسيوية تحديات متعددة في ظل استمرار قوة الدولار الأمريكي وتراجع عملاتها المحلية. وبينما تسعى البنوك المركزية في المنطقة إلى تحقيق التوازن بين دعم النمو الاقتصادي واحتواء التضخم، يبقى السؤال المطروح حول مدى فعالية هذه السياسات في ظل بيئة اقتصادية عالمية مليئة بالضبابية.

تم التحديث في: الخميس, 09 كانون الثاني 2025 09:54
حقوق النشر © جميع الحقوق محفوظة لشركة أصول