لماذا يسعى البنك المركزي التركي لخفض أسعار الفائدة
يُثير إصرار الإدارة التركية على خفض سعر الفائدة بالمخالفة للرّكب العالمي الذي يُسارع نحو رفع متوالٍ لأسعار الفائدة، العديد من علامات الاستفهام، لا سيّما في ظلّ معاناة تركيا من معدلات تضخّم قياسية آخذة في التصاعد المستمر، الأمر الذي شكّل ضغوطاً كبيرة لم يعتدها المواطن التركي طيلة العشرين عاماً الأخيرة، ورغم ذلك يبدو العزم التركي قوياً في رسم سياسة نقدية مخالفة لما تعارفت عليه النظريات الاقتصادية وتتبعه بالفعل معظم البنوك المركزية الكبرى حول العالم.
شكل سعر الفائدة نقطة خلاف رئيسية بين إدارة الرئيس أردوغان ومحافظي البنك المركزي التركي المتتابعين، وهو الأمر الذي دفع الرئيس لاستخدام صلاحياته الدستورية بإقالة ثلاثة محافظين متتالين، ومن الجدير بالذكر أن الرئيس أردوغان أعلن أكثر من مرة أنه في حرب مع كل من معدل التضخم وسعر الفائدة.
وتجدر الإشارة بداية إلى أن هذا التوجه التركي لم يكن انفعالياً أو ردة فعل للأوضاع الاقتصادية العالمية الحالية، بل كان موقفاً مبدئياً معلناً منذ عدة سنوات، حاولت الإدارة التركية خلالها خفض معدلات الفائدة، ووقفت الظروف العالمية وفي مقدمتها تداعيات فيروس كورونا حائلاً دون تحقيق ذلك بمعدلات كافية، وصمدت الإدارة التركية في مواجهة سهام النقد الحادة التي وجّهت إليها من البنوك المركزية الكبرى التي اتبعت سياسات تيسيرية تسببت فيما يعانيه العالم الآن.
ومنذ أيام عبّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن أمله في أن تُقدم لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي على خفض آخر لسعر الفائدة الشهر المقبل، والنزول بالسعر إلى خانة الآحاد نهاية العام، مضيفاً أن بلاده تهدف إلى تعزيز الليرة من خلال خفض أسعار الفائدة.
وكان البنك المركزي قد خفض على نحو غير متوقع سعر الفائدة 100 نقطة أساس مرتين الشهرين الماضيين، لينزل بها إلى 12%، على الرغم من بلوغ التضخّم 83.45% في أغسطس/آب الماضي، وهو أعلى مستوياته خلال 24 عاماً، ويعزو المركزي التركي قرارته بخفض سعر الفائدة إلى المؤشرات المستمرة على التباطؤ الاقتصادي، ويعتقد كثيرون أن التيسير النقدي يأتي استجابة لجهود الرئيس أردوغان لخفض تكاليف الاقتراض لزيادة الصادرات والاستثمار.
واقعياً، لم تنجح سياسات رفع سعر الفائدة في كبح جماح التضخم حول العالم، بل بدأ الكثير من التحذيرات حول العالم من التداعيات السلبية لتلك السياسة على مستويات النشاط الاقتصادي، ففي تصريحات لوكالة "بلومبرغ"، أكد عميد هارفارد بيزنس السابق محمد العريان أن وقوع الاقتصاد الأمريكي تحت وطأة الركود التضخمي أمر حتمي، فهناك تباطؤ في النمو الاقتصادي بالتزامن مع تسارع في معدل التضخم. آراء الخبراء السابقة مجرّد أمثلة للعديد من الأراء التي تؤكد ذات التوجه، وتؤكد كذلك عمق نظرة الإدارة التركية بمخالفة العالم والتوجه نحو خفض الفائدة، وعملياً تجدر الإشارة إلى أن الحصاد التركي جراء عدم السير في التيار العالمي هي التزايد المضطرد لمعدّل النمو والذي بلغ 7.5، 7.6 في المئة خلال الربعين الأول والثاني من العام الجاري.
كما حققت الصادرات التركية طفرات قياسية خلال الأعوام الأخيرة، حيث سجّلت 225 مليار دولار العام الماضي ارتفاعاً عن 185 مليار دولار في عام 2020، وتشير الأرقام حتى الآن إلى الاحتمالية الكبرى بتجاوزها حاجز 250 مليار دولار بنهاية العام الحالي، وتأمل الإدارة التركية بتحقيق هدف مليار دولار صادرات يومية بنهاية العام القادم.
تمتلك الإدارة التركية رؤية رشيدة حول سياسة خفض سعر الفائدة، وقد أثبتت المعطيات العالمية عدم جدوى الرفع المتوالي في معالجة التضخم، بل وتأثيراته السلبية على مستويات النشاط الاقتصادي والاحتمالات المتصاعدة لتسببه في الركود، كما أثبتت المعطيات المحلية التركية جدوى خفض سعر الفائدة في شحذ الاستثمار والنمو والصادرات، وهو الأمر الذي يؤكد رشاد التوجه التركي لا سيما في ظلّ إقدام الدولة على الرفع المتوالي للحدّ الأدنى للأجور لمواجهة معدلات التضخم المتصاعد.
المصدر : TRTعربي