الذهب يرتفع بقوة وسط توجه المستثمريين نحو الملاذات الآمنة مع دخول الرسوم الجمركية الجديدة

قفزت أسعار الذهب خلال تداولات يوم الأربعاء مدعومة بتراجع الدولار الأمريكي، في أعقاب دخول الرسوم الجمركية الشاملة التي أعلنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على العديد من الدول، وخاصة الصين، حيز التنفيذ.

هذا التطور دفع الأسواق العالمية نحو حالة من عدم اليقين، وأعاد الزخم الاستثماري إلى الذهب كملاذ آمن، وسط مخاوف متزايدة من اندلاع حرب تجارية عالمية وتأثيرات سلبية على النمو الاقتصادي العالمي.

أداء الذهب اليوم

سجلت العقود الآجلة للذهب قفزة بنسبة 2.43% لتصل إلى 3,062.89 دولار للأوقية في تمام الساعة 10:25 صباحًا بتوقيت تركيا، ما يعكس عودة قوية للطلب على المعدن الأصفر.

أما سعر التسليم الفوري للذهب فقد ارتفع بنسبة 2.10% مسجلًا 3,044.9 دولارًا للأونصة، في دلالة واضحة على تنامي الإقبال الفوري على الذهب كأداة تحوط في وجه تقلبات الأسواق.

تراجع الدولار يدعم الذهب

في المقابل، تراجع مؤشر الدولار الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل سلة من ست عملات رئيسية بنسبة 0.92% ليستقر عند 101.76 نقطة، مما ساهم في تعزيز جاذبية الذهب للمستثمرين من خارج الولايات المتحدة، في ظل العلاقة العكسية التقليدية بين الذهب والدولار.

الرسوم الجمركية تدخل حيز التنفيذ

بدأت الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على واردات الصين، والتي بلغت نسبتها 104%، في التطبيق الرسمي، في خطوة اعتبرها محللون تصعيداً خطيراً قد يقود إلى اندلاع حرب تجارية عالمية شاملة.

وأكد البيت الأبيض أن الرئيس دونالد ترامب عازم على المضي قدمًا في تنفيذ هذه الرسوم الجمركية المرتفعة على طيف واسع من السلع الصينية، بينما رد رئيس الوزراء الصيني "لي تشيانغ" قائلاً إن بلاده تمتلك أدوات سياسة كافية لـ"معادلة الأثر السلبي للصدمات الخارجية".

تقلبات الأسواق الأمريكية ومحاولة تسعير الحرب التجارية

تأثرت الأسواق الأمريكية بشكل ملحوظ، حيث شهدت الأسهم والسندات تقلبات حادة، فيما محا الذهب مكاسب أولية بلغت نحو 1.3% مع محاولات المستثمرين تقييم احتمالية تحول الأزمة إلى مفاوضات تجارية، رغم أن المسار يبدو معقداً ومليئاً بالعقبات.

منذ إعلان ترامب الأسبوع الماضي عن فرض رسوم جمركية عالمية تطال عدداً من شركاء الولايات المتحدة التجاريين، يشهد الذهب حالة من التذبذب إلى جانب باقي فئات الأصول، في ظل عدم يقين عميق يخيّم على الاقتصاد العالمي.

الذهب: ملاذ آمن ولكن ليس بمنأى عن تسييل الأسواق

ورغم اعتبار الذهب أحد أبرز الملاذات الآمنة في أوقات الأزمات وعدم اليقين، إلا أنه، بحسب "نيكي شيلز"، رئيسة أبحاث واستراتيجيات المعادن في شركة MKS Pamp SA، "ليس محصناً ضد موجات التسييل العالمية الناتجة عن شح السيولة".

ومع ذلك، تمكن الذهب من تسجيل مكاسب تفوق 13% منذ بداية العام، محققًا مستويات قياسية متتالية، واستقطب تدفقات استثمارية كبيرة نحو الصناديق المتداولة بالبورصة، وسط تزايد الطلب على الأصول الآمنة في ظل مؤشرات على اضطرابات اقتصادية واسعة.

المستثمرون الصينيون يضخون أموالاً قياسية في صناديق الذهب

في ظل التصعيد التجاري، ضخ المستثمرون في الصين مبالغ قياسية في صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة بالذهب خلال الأسبوع الماضي، بحثاً عن ملاذ آمن يحمي أموالهم من الاضطرابات.

ووفقاً لبيانات "بلومبرغ"، بلغت التدفقات إلى أربعة صناديق رئيسية، من ضمنها صندوق "هوان ييفو" للذهب، مستوى قياسيًا عند 7.6 مليار يوان (ما يعادل مليار دولار أمريكي) خلال أسبوع واحد، مع استمرار الزخم القوي حتى الأسبوع الجاري.

جاء هذا الاندفاع نحو الذهب بعد أن تسببت القرارات الجمركية الأمريكية الحادة في محو تريليونات الدولارات من القيمة السوقية لأسواق الأسهم العالمية، ما أجج مخاوف المستثمرين من الدخول في مرحلة ركود اقتصادي عالمي.

في المقابل، شددت الصين لهجتها، مؤكدة أنها "ستقاتل حتى النهاية" ردًا على تهديدات ترامب بفرض رسوم إضافية تصل إلى 50% على السلع الصينية، إذا لم تتراجع بكين عن إجراءاتها الانتقامية.

شهد الذهب خلال هذا العام موجة صعود قوية مدفوعة بتصاعد التوترات التجارية والجيوسياسية، حيث سجل مستويات قياسية متتالية، وجذب استثمارات من صناديق المؤشرات المتداولة وحتى من البنوك المركزية.

والذهب ما يزال مرتفعًا بأكثر من 13% منذ بداية العام، بحسب تقديرات السوق، وهناك توقعات بمزيد من الصعود خلال الفترة المقبلة.

صناديق الذهب تسجل تدفقات تاريخية

وفقًا لبيانات مجلس الذهب العالمي، شهدت صناديق الذهب المتداولة تدفقات داخلة بلغت نحو 226.5 طناً من الذهب في الأشهر الثلاثة المنتهية في 31 مارس، وهو أعلى تدفق داخلي منذ الربع الأول من عام 2022، حيث سجلت صناديق الذهب المتداولة تدفقات داخلة بلغت 271.7 طناً مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية.

ولكن من حيث القيمة بالدولار، ارتفعت التدفقات الداخلة إلى صناديق الذهب المتداولة إلى 21.1 مليار دولار في الربع الأول - وهو أعلى مستوى لها منذ الربع الثاني من عام 2020، عندما تعرضت الأسواق للضرب بسبب جائحة كوفيد-19.

وأدت الزيادة في التدفقات الداخلة إلى صناديق الذهب المتداولة إلى ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية تجاوزت 3,150.0000 دولار للأونصة في الأسابيع الأخيرة. وكان المشترون من أمريكا الشمالية أكبر مصادر التدفقات الداخلة، تليهم أوروبا وآسيا.

المخاوف من الركود وارتفاع التضخم يدعمان الطلب

يتزايد الطلب على الذهب في ظل القلق من أن تؤدي الرسوم الجمركية الأمريكية إلى تعطيل سلاسل التوريد العالمية، ورفع تكاليف الاستيراد داخل الولايات المتحدة، ما قد يعزز التضخم بشكل إضافي.

كما تسارعت المخاوف من ركود اقتصادي محتمل في الولايات المتحدة بسبب سياسات ترامب التجارية، ما جعل الذهب خيارًا مفضلاً للمستثمرين الباحثين عن الأمان.

ترى شيلز أن حالة الركود التضخمي المحتملة في الاقتصاد الأمريكي – أي الجمع بين ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو – توفر بيئة مواتية لصعود أسعار الذهب في المرحلة المقبلة، مع تنامي توجه المستثمرين إلى الأصول الواقية من التضخم.

توقعات مستقبلية متفائلة لأسعار الذهب

رفع دويتشه بنك توقعاته لمتوسط أسعار الذهب لعامي 2025 و2026 إلى 3,139 دولارًا و3,700 دولار للأونصة على التوالي، مشيرًا إلى أن الاتجاه الصعودي لا يزال قويًا رغم التراجعات المؤقتة.

كما رفع البنك تقديراته لسعر الذهب في الربع الرابع من عام 2025 إلى 3,350 دولارًا، مشيرًا إلى أن الطلب المتزايد من البنوك المركزية يشكل دعامة قوية للسوق، حيث ارتفعت نسبة مساهمة هذه البنوك في الطلب على الذهب من 10% إلى 24% منذ عام 2022.

ورغم هذا الزخم، حذّر بنك HSBC من أن وتيرة شراء الذهب من البنوك المركزية قد تتباطأ قليلاً إذا تجاوزت الأسعار حاجز 3,000 دولار للأونصة، لكنها ستعود للارتفاع في حال انخفض السعر دون 2,800 دولار.

وكان البنك قد رفع توقعاته المتوسطة لأسعار الذهب إلى 3,015 دولارًا في عام 2025 و2,915 دولارًا في عام 2026، معتمدًا على توقعات بتصاعد التوترات الجيوسياسية.