استقرار العملات الآسيوية وسط تصاعد التوترات التجارية واليوان عند أدنى مستوى في 19 شهراً

شهدت العملات الآسيوية حالة من الاستقرار النسبي في تداولات الثلاثاء، بعد سلسلة من الخسائر الحادة التي عصفت بها خلال الجلسات السابقة، نتيجة تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.

وسجل اليوان الصيني أضعف مستوى له منذ أكتوبر 2023، فيما تراجع الدولار الأمريكي تحت وطأة المخاوف من ركود اقتصادي محتمل وتزايد توقعات خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. في هذا السياق، تظل الأسواق العالمية متأهبة لأي تطورات جديدة في المشهد التجاري والاقتصادي.

تصعيد في الحرب التجارية بين أمريكا والصين

أعادت تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 50% على السلع الصينية إشعال فتيل التوترات التجارية مجددًا. جاءت هذه التهديدات كرد على الرسوم الانتقامية التي فرضتها الصين بنسبة 34% على المنتجات الأمريكية، ما دفع بكين إلى الرد بشكل حازم، مؤكدة أنها لن تتراجع وستقاتل "حتى النهاية".

الصين، التي تعتبر من أكثر الاقتصادات تضررًا من الرسوم الجمركية الأمريكية، تتحرك في المقابل لتعزيز اقتصادها المحلي عبر حزم تحفيزية جديدة تشمل إجراءات مالية ونقدية، في محاولة لتقليل الأثر السلبي المتوقع على الإنتاج والتصدير والنمو العام.

اليوان الصيني يتراجع لأدنى مستوى منذ أكتوبر 2023

سجل اليوان الصيني تراجعًا كبيرًا خلال تداولات الثلاثاء، حيث وصل إلى 7.3364 يوان مقابل الدولار، وهو أدنى مستوى له في 19 شهرًا. هذا التراجع جاء نتيجة تزايد الضغوط الناجمة عن:

• تهديدات واشنطن برفع الرسوم الجمركية.

• مخاوف من تراجع في الصادرات الصينية.

• احتمالية لجوء بكين إلى خفض إضافي في أسعار الفائدة لتحفيز الاقتصاد، مما يؤدي إلى ضعف أكبر في قيمة اليوان.

تجدر الإشارة إلى أن الصين أبقت أسعار الفائدة المرجعية عند مستويات منخفضة قياسية خلال العامين الماضيين، إلا أن استمرار الحرب التجارية قد يدفعها إلى اتخاذ خطوات أعمق.

أداء العملات الآسيوية: استقرار محدود في ظل توتر الأسواق

تباين أداء العملات الآسيوية خلال تداولات الثلاثاء، إذ أظهرت بعضها مرونة نسبية، في حين استمر الضغط على عملات أخرى، أبرزها:

• الدولار الأسترالي: سجل تراجعًا بنسبة 0.3% مقابل الدولار الأمريكي، متأثرًا ببيانات ضعيفة أظهرت انخفاضًا حادًا في ثقة المستهلك في أبريل، ما يعكس قلق المستهلكين من التوقعات الاقتصادية المستقبلية.

• الدولار السنغافوري: انخفض بنسبة 0.4%، متأثرًا بالمخاوف العالمية وتراجع شهية المخاطرة لدى المستثمرين.

• الوون الكوري الجنوبي: حافظ على استقراره، في ظل توازن بين التدفقات الاستثمارية والمخاوف الاقتصادية.

• الروبية الهندية: ارتفعت بنسبة 0.1% بعد أن تجاوزت حاجز 86 روبية للدولار لفترة وجيزة، وسط ترقب واسع لاجتماع بنك الاحتياطي الهندي يوم الأربعاء، حيث يتوقع المستثمرون خفضًا للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس لتعزيز النمو المحلي.

الين الياباني يحافظ على مكاسبه بدعم من الطلب على الملاذات الآمنة

رغم التراجع الطفيف في تداولات الثلاثاء، بقي الين الياباني قويًا نسبيًا وقريبًا من أعلى مستوياته الأخيرة. وقد ارتفع زوج الدولار/الين بنسبة 0.3%، وسط استمرار الطلب على الأصول الآمنة مثل الين في أوقات عدم اليقين.

حالة القلق الجيوسياسي والاقتصادي دفعت العديد من المستثمرين نحو عملات الملاذ الآمن، ما عزز الطلب على الين، خاصة مع ترقب الأسواق لخطوات السياسة النقدية الأمريكية.

الدولار الأمريكي تحت الضغط: مخاوف الركود وتوقعات خفض الفائدة

يتعرض الدولار الأمريكي لضغوط متزايدة بفعل تزايد المخاوف من دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود لاحقًا هذا العام، نتيجة التداعيات السلبية للسياسات التجارية المتشددة التي تنتهجها الإدارة الأمريكية.

وقد تراجع مؤشر الدولار بنسبة 0.5%، فيما انخفضت العقود الآجلة المرتبطة به بنسبة 0.2%، ليستقرا بالقرب من أدنى مستوى لهما في ستة أشهر.

عوامل الضغط على الدولار تشمل:

• التوقعات المتزايدة بخفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، والتي يدعمها تسعير الأسواق لاحتمالية خفض بمقدار 25 نقطة أساس بحلول يوليو، وفق أداة CME Fedwatch.

• القلق من تباطؤ النشاط الاقتصادي وتأثير الرسوم الجمركية على سلاسل التوريد الأمريكية.

• توقعات بنوك استثمارية بحدوث ركود اقتصادي في 2025، ما يعزز من الضغط على العملة الأمريكية.

انتعاش أسواق الأسهم الآسيوية

شهدت الأسواق الآسيوية انتعاشًا طفيفًا خلال تعاملات الثلاثاء، مدعومة بصعود أسهم التكنولوجيا الأمريكية خلال جلسة أمس، بعد ثلاث جلسات متتالية من التراجع الحاد.

• مؤشر Nikkei 225 الياباني تصدر المشهد بصعود قوي بنسبة 7%، مدعومًا بضعف الين وعودة الشهية على المخاطرة.

• مؤشر TOPIX الأوسع نطاقًا ارتفع بأكثر من 7%.

• مؤشر Hang Seng في هونغ كونغ قفز بنسبة 3% بعد أن فقد أكثر من 15% في الجلسة السابقة.

• الأسهم الصينية شهدت دعمًا من تعهدات شركات الدولة بزيادة الاستثمارات في السوق، ما دفع مؤشر Shanghai Composite للصعود بنسبة 0.7%، بينما ارتفع مؤشر Shanghai Shenzhen CSI 300 بنسبة 0.5%.

التوقعات المستقبلية: كيف ستتحرك الأسواق وسط تصعيد الرسوم؟

وفقًا لتحليلات بنك UBS، فإن استمرار الرسوم الجمركية قد يؤدي إلى:

• تراجع نمو الصادرات الصينية بنحو 5 نقاط مئوية خلال 2025.

• انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني بنحو 1.5 نقطة مئوية.

• تراجع إيرادات الشركات الصينية المدرجة من الفئة A بمقدار 2.4 نقطة، مع تباطؤ في نمو صافي الأرباح بنسبة 6 نقاط، نتيجة تراجع الهوامش الربحية.

هذه التقديرات تعكس خطورة الوضع، وتؤكد أن أي تصعيد إضافي في الحرب التجارية قد يُحدث تحولات هيكلية في الاقتصاد العالمي ويغير ديناميكيات الأسواق المالية لفترة طويلة.